أما الخراءة فبكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالمد ، وهي اسم لهيئة الحدث ، وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها . قوله : ( أجل ) معناه : نعم وهي بتخفيف اللام ، ومراد سلمان - رضي الله عنه - أنه علمنا كل ما نحتاج إليه في ديننا حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل ، فإنه علمنا آدابها فنهانا فيها عن كذا وكذا . والله أعلم .
وأما النهي عن الاستقبال للقبلة بالبول والغائط فقد اختلف العلماء فيه على مذاهب أحدها : مذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - رحمهما الله تعالى - أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ، ولا [ ص: 497 ] يحرم ذلك في البنيان ، وهذا مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين رحمهم الله . والمذهب الثاني : أنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء ، وهو قولnindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه - ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وأحمد في رواية . والمذهب الثالث : جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعا ، وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك - رضي الله عنهم - ، nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود الظاهري . والمذهب الرابع : لا يجوز الاستقبال لا في الصحراء ، ولا في البنيان ، ويجوز الاستدبار فيهما ، وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد - رحمهما الله تعالى - ، واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقا كحديث سلمان المذكور ، وحديث أبي أيوب nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وغيرهما قالوا : ولأنه إنما منع لحرمة القبلة ، وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء ، ولأنه لو كان الحائل كافيا لجاز في الصحراء ; لأن بيننا وبين الكعبة جبالا وأودية وغير ذلك من أنواع الحائل ، واحتج من أباح مطلقا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المذكور في الكتاب أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقبلا بيت المقدس مستدبر القبلة ، وبحديث عائشة - - رضي الله عنها - - nindex.php?page=hadith&LINKID=3504470أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن أناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أو قد فعلوها حولوا بمقعدي أي إلى القبلة . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وإسناده حسن ، واحتج من أباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان . واحتج من حرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المذكور في الكتاب ، وبحديث عائشة الذي ذكرناه . وفي حديث جابر قال : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3504471نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها ) رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهما وإسناده حسن ، وبحديث مروان الأصغر قال : رأيت ابن عمر - رضي الله عنهما - أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ فقال : بلى إنما نهي عن ذلك في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس . رواه أبو داود وغيره . فهذه أحاديث صحيحة مصرحة بالجواز في البنيان ، وحديث أبي أيوب وسلمان nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي فيحمل على الصحراء ليجمع بين الأحاديث ، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا [ ص: 498 ] أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها ، بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها ، وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه فوجب المصير إليه ، وفرقوا بين الصحراء والبنيان من حيث المعنى بأنه يلحقه المشقة في البنيان في تكليفه ترك القبلة بخلاف الصحراء ، وأما من أباح الاستدبار فيحتج على رد مذهبه بالأحاديث الصحيحة المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار جميعا كحديث أبي أيوب وغيره والله أعلم .
( فرع )
في مسائل تتعلق باستقبال القبلة لقضاء الحاجة على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - .
إحداها المختار عند أصحابنا أنه إنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان إذا كان قريبا من ساتر من جدران ونحوها ، من حيث يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فما دونها ، وبشرط آخر وهو أن يكون الحائل مرتفعا بحيث يستر أسافل الإنسان ، وقدروه بآخرة الرحل وهي نحو ثلثي ذراع ، فإن زاد ما بينه وبينه على ثلاثة أذرع ، أو قصر الحائل عن آخرة الرحل فهو حرام كالصحراء إلا إذا كان في بيت بني لذلك فلا حجر فيه كيف كان ، قالوا : ولو كان في الصحراء وتستر بشيء على الشرط المذكور زال التحريم ، فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه فيحل في الصحراء والبنيان بوجوده ، ويحرم فيهما لعدمه . هذا هو الصحيح المشهور عند أصحابنا ، ومن أصحابنا من اعتبر الصحراء والبنيان مطلقا ولم يعتبر الحائل ، فأباح في البنيان بكل حال ، وحرم في الصحراء بكل حال ، والصحيح الأول ، وفرعوا عليه فقالوا : لا فرق بين أن يكون الساتر دابة أو جدارا أو وهدة أو كثيب رمل أو جبلا ، لو أرخى ذيله في قبالة القبلة ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا أصحهما عندهم وأشهرهما : أنه ساتر لحصول الحائل . والله أعلم .
[ ص: 499 ] المسألة الثانية : حيث جوزنا الاستقبال والاستدبار ، قال جماعة من أصحابنا : هو مكروه ، ولم يذكر الجمهور الكراهة ، والمختار أنه لو كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة فلا كراهة ، وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه للخروج من خلاف العلماء ، ولا تطلق عليه الكراهة للأحاديث الصحيحة فيه .
المسألة الثالثة : يجوز الجماع مستقبل القبلة في الصحراء والبنيان ، هذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود الظاهري ، واختلف فيه أصحاب مالك فجوزه ابن القاسم ، وكرهه ابن حبيب ، والصواب الجواز ، فإن التحريم إنما يثبت بالشرع ، ولم يرد فيه نهي . والله أعلم .
المسألة الرابعة : لا يحرم استقبال بيت المقدس ولا استدباره بالبول والغائط ، لكن يكره .
المسألة الخامسة : إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط ثم أراد الاستقبال أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز . والله أعلم .
قوله : ( وأن لا يستنجي باليمين ) هو من أدب الاستنجاء ، وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين ، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم ، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام ، وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ، ولا تعويل على إشارتهم ، قال أصحابنا : ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر ، فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى ، وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدبر مسح بيساره ، وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر ، فإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرك اليمنى ، هذا هو الصواب . وقال بعض أصحابنا : يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح ويحرك اليسرى ، وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة ، وقد نهي عنه . والله أعلم .
ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيها على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها ، وسنوضح هذه القاعدة قريبا في أواخر الباب إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
قوله : ( أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ) هذا نص صريح صحيح في أن الاستيفاء ثلاث مسحات ، واجب لا بد منه ، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ، فمذهبنا أنه لا بد في الاستنجاء بالحجر من إزالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات ، فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة وجب مسحه ثالثة ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق ابن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . وقال مالك وداود : الواجب الإنقاء ، فإن حصل بحجر أجزأه ، وهو وجه لبعض أصحابنا ، والمعروف من مذهبنا ما قدمناه . قال أصحابنا : ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف مسح بكل حرف مسحة أجزأه ; لأن المراد المسحات والأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف ، ولو استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات ، والأفضل أن يكون بستة أحجار فإن اقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه ، وكذلك الخرقة الصفيقة التي إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح [ ص: 500 ] بجانبها . والله أعلم .
قال أصحابنا : وإذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها ، فإن لم يحصل بثلاثة وجب رابع ، فإن حصل الإنقاء به لم تجب الزيادة ، ولكن يستحب الإيتار بخامس ، فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامس ، فإن حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد ، متى حصل الإنقاء بوتر فلا زيادة ، وإلا وجب الإنقاء واستحب الإيتار . والله أعلم .
وأما نصه - صلى الله عليه وسلم - على الأحجار فقد تعلق به بعض أهل الظاهر ، وقالوا : الحجر متعين لا يجزئ غيره ، وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينا بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه ، وأن المعني فيه كونه مزيلا ، وهذا يحصل بغير الحجر ، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة أحجار ) لكونها الغالب المتيسر فلا يكون له مفهوم كما في قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ونظائره ، ويدل على عدم تعيين الحجر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن العظام والبعر والرجيع ، ولو كان الحجر متعينا لنهى عنا سواه مطلقا .
قال أصحابنا : والذي يقوم مقام الحجر كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان . قالوا : ولا يشترط اتحاد جنسه ، فيجوز في القبل أحجار وفي الدبر خرق ، ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة ونحو ذلك . والله أعلم .
قوله ( أو أن نستنجي برجيع أو عظم ) فيه النهي عن الاستنجاء بالنجاسة ونبه - صلى الله عليه وسلم - بالرجيع على جنس النجس ، فإن الرجيع هو الروث ، وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه على جميع المطعومات ، وتلتحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك ، ولا فرق في النجس بين المائع والجامد ، فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ، ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر ; لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية ، ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها . وقيل : إن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية . والله أعلم .
قوله : ( عن سلمان - رضي الله عنه - قال : قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم ) هكذا هو في الأصول وهو صحيح تقديره : قال لنا قائل المشركين ، أو أنه أراد واحدا من المشركين ، وجمعه لكون باقيهم يوافقونه .