الرواية ( يغتسل ) مرفوع أي : لا تبل ثم أنت تغتسل منه ، وذكر شيخنا أبو عبد الله بن مالك - رضي الله عنه - أنه يجوز أيضا جزمه عطفا على موضع ( يبولن ) ، ونصبه بإضمار ( أن ) وإعطاء ( ثم ) حكم ( واو ) الجمع ، فأما الجزم فظاهر ، وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما ، وهذا لم يقله أحد ; بل البول فيه منهي عنه ، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا . والله أعلم .
وأما ( الدائم ) [ ص: 523 ] فهو الراكد .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الذي لا يجري ) ، تفسير للدائم وإيضاح لمعناه ، ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجري بعضه كالبرك ونحوها ، وهذا النهي في بعض المياه للتحريم ، وفي بعضها للكراهة ، ويؤخذ ذلك من حكم المسألة ، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ، ولكن الأولى اجتنابه ، وإن كان قليلا جاريا فقد قال جماعة من أصحابنا : يكره والمختار أنه يحرم ; لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره ، ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس . وإن كان الماء كثيرا راكدا ، فقال أصحابنا : يكره ولا يحرم ، ولو قيل يحرم لم يكن بعيدا ، فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول . وفيه من المعنى أنه يقذره ، وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه .
وأما ( الراكد ) القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه ، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لأنه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله . والله أعلم .
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح ، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء . وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول فكله مذموم منهي عنه على التفصيل المذكور ، ولم يخالف في هذا أحد من العلماء إلا ما حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=0015856داود بن علي الظاهري أن النهي مختص ببول الإنسان بنفسه ، وأن الغائط ليس كالبول وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء . وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر . والله أعلم .
قال العلماء : ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البراز في الموارد ، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء ، ولما يخاف من وصوله إلى الماء . والله أعلم .
وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه ; فإن كان قليلا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام ; لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء ، وإن كان كثيرا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ، فإن كان جاريا فلا بأس به ، وإن كان راكدا فليس بحرام ولا تظهر كراهته لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه ، ولو اجتنب الإنسان هذا كان أحسن . والله أعلم .