قوله : ( حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله ) الحديث هذا الحديث مما استدركه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني على مسلم وقال : رفعه وهم ، رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفا ، قلت : وحفص ثقة حافظ إمام فزيادته الرفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين .
قوله : ( سمع وجبة ) هي بفتح الواو وإسكان الجيم ، وهي السقطة .
قوله : في ( حديث nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بهذا الإسناد ، وقال : هذا وقع في أسفلها فسمعتم وجبتها ) هكذا هو في النسخ ، وهو صحيح فيه محذوف دل عليه الكلام ، أي : هذا حجر وقع ، أو هذا حين ونحو ذلك .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507596ومنهم من تأخذه يعني النار إلى حجزته ) هي بضم الحاء وإسكان الجيم ، وهي : معقد الإزار ، السراويل ، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته هي بفتح التاء وضم القاف ، وهي : العظم الذي بين [ ص: 309 ] ثغرة النحر والعاتق ، وفي رواية : ( حقويه ) بفتح الحاء وكسرها ، وهما معقد الإزار ، والمراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( تحاجت النار والجنة ) إلى آخره ، هذا الحديث على ظاهره ، وأن الله تعالى جعل في النار والجنة تمييزا تدركان به فتحاجتا ، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائما .
[ ص: 310 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507597وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم ؟ ) أما ( سقطهم ) : فبفتح السين والقاف ، أي : ضعفاؤهم والمحتقرون منهم ، وأما ( عجزهم ) بفتح العين والجيم جمع عاجز ، أي : العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة ، وأما الرواية رواية محمد بن رافع ففيها ( لا يدخلني إلا ضعاف الناس وغرتهم ) فروي على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في النسخ إحداها ( غرثهم ) بغين معجمة مفتوحة وثاء مثلثة ، قال القاضي : هذه رواية الأكثرين من شيوخنا ، ومعناها : أهل الحاجة والفاقة والجوع ، والغرث : الجوع . والثاني : ( عجزتهم ) بعين مهملة مفتوحة وجيم وزاي وتاء ، جمع عاجز كما سبق . والثالث : ( غرتهم ) بغين معجمة مكسورة وراء مشددة وتاء مثناة فوق ، وهكذا هو الأشهر في نسخ بلادنا ، أي : البله الغافلون ، الذين ليس بهم فتك وحذق في أمور الدنيا . وهو نحو الحديث الآخر أكثر أهل الجنة البله قال القاضي : معناه سواد الناس وعامتهم من أهل الإيمان ، الذين لا يفطنون للسنة ، فيدخل عليهم الفتنة ، أو يدخلهم في البدعة أو غيرها ، فهم ثابتو الإيمان ، وصحيحو العقائد ، وهم أكثر المؤمنين ، وهم أكثر أهل الجنة .
وأما العارفون والعلماء العاملون ، والصالحون المتعبدون ، فهم قليلون ، وهم أصحاب الدرجات ، قال : وقيل : معنى الضعفاء هنا وفي الحديث الآخر nindex.php?page=hadith&LINKID=3507599أهل الجنة كل ضعيف متضعف أنه الخاضع لله تعالى ، المذل نفسه له سبحانه وتعالى ، ضد المتجبر المستكبر .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ) معنى ( يزوى ) يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها ، ومعنى ( قط ) حسبي ، أي : يكفيني هذا ، وفيه ثلاث لغات : قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها ، منونة وغير منونة .
أحدهما : وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين : أنه لا [ ص: 311 ] يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ، ولها معنى يليق بها ، وظاهرها غير مراد .
والثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها ، فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث ، فقيل : المراد بالقدم هنا المتقدم ، وهو شائع في اللغة ومعناه : حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب ، قال المازري والقاضي : هذا تأويل النضر بن شميل ، ونحوه عن ابن الأعرابي . الثاني : أن المراد قدم بعض المخلوقين ، فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم . الثالث : أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية ، وأما الرواية التي فيها ( يضع الله فيها رجله ) فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل ، ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم ، ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس ، كما يقال : رجل من جراد ، أي : قطعة منه ، قال القاضي : أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها ، وخلقوا لها ، قالوا : ولا بد من صرفه عن ظاهره ; لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يظلم الله من خلقه أحدا ) قد سبق مرات بيان أن الظلم مستحيل في حق الله تعالى ، فمن عذبه بذنب أو بلا ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى .
[ ص: 312 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507602وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ) هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال ، فإن هؤلاء يخلقون حينئذ ، ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل ، ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط ، فكلهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله .
وفي هذا الحديث : دليل على عظم سعة الجنة ، فقد جاء في الصحيح أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها ، ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى .
قوله صلى الله عليه وسلم : في أهل الجنة : ( كل ضعيف متضعف ) ضبطوا قوله ( متضعف ) بفتح العين وكسرها المشهور الفتح ، ولم يذكر الأكثرون غيره ، ومعناه : يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا ، يقال : تضعفه واستضعفه ، وأما رواية الكسر فمعناها : متواضع متذلل خامل واضع من نفسه ، قال القاضي : وقد يكون الضعف هنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان ، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء ، كما أن معظم أهل النار القسم الآخر ، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين . ومعنى الأشعث متلبد الشعر مغبره الذي لا يدهنه ، ولا يكثر غسله . ومعنى مدفوع بالأبواب أنه لا يؤذن له ، بل يحجب ويطرد لحقارته عند الناس .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو أقسم على الله لأبره ) معناه : لو حلف يمينا طمعا في كرم الله تعالى بإبراره لأبره ، وقيل : لو دعاه لأجابه ، يقال : أبررت قسمه وبررته ، والأول هو المشهور .
[ ص: 314 ] قوله صلى الله عليه وسلم في أهل النار : ( كل عتل جواظ مستكبر ) وفي رواية ( كل جواظ زنيم متكبر ) أما ( العتل ) بضم العين والتاء ، فهو : الجافي الشديد الخصومة بالباطل ، وقيل : الجافي الفظ الغليظ .
وأما ( الجواظ ) بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة ، فهو : الجموع المنوع ، وقيل : كثير اللحم المختال في مشيته ، وقيل : القصير البطين ، وقيل : الفاخر بالخاء ، وأما ( الزنيم ) فهو : الدعي في النسب الملصق بالقوم ، وليس منهم ، شبه بزنمة الشاة ، وأما ( المتكبر والمستكبر ) فهو صاحب الكبر ، وهو بطر الحق وغمط الناس .
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي عقر الناقة : ( عزيز عارم ) العارم بالعين المهملة والراء ، قال أهل اللغة : هو الشرير المفسد الخبيث ، وقيل : القوي الشرس ، وقد عرم . وفي هذا الحديث النهي عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب .
وفيه النهي عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره ، بل ينبغي أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه من غير التفات ولا غيره ، ويظهر أنه لم يسمع .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أبا بني كعب ) كذا ضبطناه ( أبا ) بالباء ، وكذا هو في كثير من نسخ بلادنا ، وفي بعضها ( أخا ) بالخاء ، ونقل القاضي هذا عن أكثر رواة الجلودي ، قال : والأول رواية ابن ماهان ، وبعض رواة الجلودي قال : وهو الصواب ، قال : وكذا ذكر الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12211ابن أبي خيثمة nindex.php?page=showalam&ids=17095ومصعب الزبيري وغيرهما ; لأن كعبا هو أحد بطون خزاعة وابنه . وأما ( لحي ) : فبضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء . وأما ( قصبه ) فبضم القاف وإسكان الصاد ، قال الأكثرون : يعني أمعاءه ، وقال أبو عبيد : الأمعاء واحدها قصب . أما قوله في الرواية الثانية : ( عمرو بن عامر ) فقال القاضي المعروف في نسب ابن خزاعة ( عمرو بن لحي بن قمعة ) كما قال في الرواية الأولى ، وهو قمعة بن إلياس بن مضر ، وإنما عامر عم أبيه أبي قمعة ، وهو مدركة بن إلياس ، هذا قول نساب الحجازيين ، ومن الناس من يقول : إنهم من اليمن من ولد عمرو بن عامر ، وأنه عمرو بن لحي ، واسمه : ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر ، وقد يحتج قائل بهذه الرواية الثانية ، هذا آخر كلام القاضي . والله أعلم .
أما ( الكاسيات ) ففيه أوجه أحدها : معناه : كاسيات من نعمة الله ، عاريات من شكرها ، والثاني : كاسيات من الثياب ، عاريات من فعل الخير والاهتمام لآخرتهن ، والاعتناء بالطاعات . والثالث : تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها ، فهن كاسيات عاريات . والرابع : يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها ، كاسيات عاريات في المعنى .
وأما ( مائلات مميلات ) : فقيل : زائغات عن طاعة الله تعالى ، وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها ، ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن ، وقيل : مائلات متبخترات في مشيتهن ، مميلات أكتافهن ، وقيل : مائلات يتمشطن المشطة الميلاء ، وهي مشطة البغايا معروفة لهن ، مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة ، وقيل : مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها .
وأما ( رءوسهن كأسنمة البخت ) فمعناه : يعظمن رءوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس ، حتى تشبه أسنمة الإبل البخت ، هذا هو المشهور في تفسيره ، قال المازري : ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم ، ولا ينكسن رءوسهن ، واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء ، قال : وهي ضفر الغدائر وشدها إلى فوق ، وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت ، قال : وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رءوسهن ، وجمع عقائصها هناك ، وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس ، كما يميل السنام ، قال ابن دريد : يقال : ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها . والله أعلم .
[ ص: 317 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن الجنة ) يتأول التأويلين السابقين في نظائره أحدهما : أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه ، فتكون كافرة مخلدة في النار ، لا تدخل الجنة أبدا .
والثاني : يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين . والله تعالى أعلم .