وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وانضح فرجك ) فمعناه اغسله ، فإن النضح يكون غسلا ، ويكون رشا ، وقد جاء في الرواية الأخرى : " يغسل ذكره " ، فيتعين حمل النضح عليه . وانضح بكسر الضاد ، وقد تقدم بيانه . قوله : ( كنت رجلا مذاء ) أي كثير المذي ، وهو بفتح الميم وتشديد الذال وبالمد .
وأما حكم خروج المذي : فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل . قال أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد والجماهير : يوجب الوضوء لهذا الحديث ، وفي الحديث من الفوائد : أنه لا يوجب الغسل ، وأنه يوجب الوضوء ، وأنه نجس ، ولهذا أوجب - صلى الله عليه وسلم - غسل الذكر ، والمراد به عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجماهير [ ص: 543 ] غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر ، وحكي عن مالك وأحمد في رواية عنهما إيجاب غسل جميع الذكر ، وفيه أن الاستنجاء بالحجر ، إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهي البول والغائط ، أما النادر كالدم والمذي وغيرهما فلا بد فيه من الماء ، وهذا أصح القولين في مذهبنا . والقائل الآخر بجواز الاقتصار فيه على الحجر قياسا على المعتاد ، أن يجيب عن هذا الحديث بأنه خرج على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء أو يحمله على الاستحباب ، وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء ، وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به ; لكون علي اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أن هذا قد ينازع فيه ، ويقال : فلعل عليا كان حاضرا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت السؤال وإنما استحيا أن يكون السؤال منه بنفسه . وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار ، وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر ما يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها ، وغيرهم من أقاربها ، ولهذا قال علي - رضي الله عنه - : فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته ، معناه أن المذي يكون - غالبا - عند ملاعبة الزوجة وقبلتها ، ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع . والله أعلم .
قوله في الإسناد الأخير من الباب : ( وحدثني هارون بن سعيد الأيلي ، وأحمد بن عيسى ، قالا حدثنا ابن وهب قال : أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : أرسلنا المقداد ) هذا الإسناد مما استدركه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : قال حماد بن خالد : سألت مخرمة هل سمعت من أبيك ؟ فقال : لا . وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس ، وتابعه مالك عن أبي النضر . هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا في سننه : مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا وروى nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي هذا الحديث من طرق وبعضها طريق مسلم - هذه - المذكورة ، وفي بعضها عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان بن يسار قال : أرسل علي المقداد هكذا أتى به مرسلا ، وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه ، فقال مالك - رضي الله عنه - : قلت لمخرمة : ما حدثت به عن أبيك سمعته منه ؟ فحلف بالله لقد سمعته ، قال مالك : وكان مخرمة رجلا صالحا ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى : إن مخرمة سمع من أبيه ، وذهب جماعات إلى أنه لم يسمعه ، قال أحمد بن [ ص: 544 ] حنبل : لم يسمع مخرمة من أبيه شيئا ، إنما يروي من كتاب أبيه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين وابن أبي خيثمة : يقال : وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه ، وقال موسى بن سلمة : قلت لمخرمة : حدثك أبوك ؟ فقال : لم أدرك أبي ، ولكن هذه كتبه ، وقال أبو حاتم : مخرمة صالح الحديث ، إن كان سمع من أبيه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار ، ولعله سمع الشيء اليسير ، ولم أجد أحدا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شيء من حديثه : سمعت أبي . والله أعلم .
فهذا كلام أئمة هذا الفن ، وكيف كان . فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم قبل هذه الطريق ، ومن الطريق التي ذكرها غيره . والله أعلم .