قوله : ( باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى ) من باب إضافة المصدر إلى مفعوله . قال ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ، ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان ، وأولوا قوله ( ناظرة ) يعني في قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى . ثم قال : وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم ، فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه وكذلك المرئي ، قال : وتعلقوا بقوله تعالى : لا تدركه الأبصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين ، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته ، وعن الثاني المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية ، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف . وقال القرطبي : اشترط النفاة في الرؤية شروطا عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في تخبط لهم وتحكم ، وأهل السنة لا يشترطون شيئا من ذلك سوى وجود المرئي وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 225 ] قوله : ( كنا جلوسا ) أي جالسين ( كما ترون هذا القمر ) أي المحسوس المشاهد المرئي ( لا تضامون ) بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم . قال الحافظ وهو الأكثر أي لا ينالكم ضيم وظلم في رؤيته فيراه بعض دون بعض ، وروي بفتح التاء وتشديد الميم من التضام بمعنى التزاحم ، وبالضم والتشديد من المضامة وهي المزاحمة ، وهو حينئذ يحتمل كونه للفاعل والمفعول . وحاصل معنى الكل لا تشكون ( في رؤيته ) أي في رؤية القمر ليلة البدر . قال في جامع الأصول : قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله " كما ترون " كاف التشبيه للمرئي وإنما هو كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي . ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون ولا تمترون ( فإن استطعتم أن لا تغلبوا ) بصيغة المجهول أي لا تصيروا مغلوبين ( فافعلوا ) أي ما ذكر من الاستطاعة أو عدم المغلوبية . قال القاضي : ترتيب قوله إن استطعتم على قوله سترون بالفاء يدل على أن المواظب على إقامة الصلوات والمحافظة عليها خليق بأن يرى ربه ، وقوله : لا تغلبوا معناه لا تصيروا مغلوبين بالاشتغال عن صلاتي الصبح والعصر ، وإنما خصهما بالحث لما في الصبح من ميل النفس إلى الاستراحة والنوم ، وفي العصر من قيام الأسواق واشتغال الناس بالمعاملات ، فمن لم يلحقه فترة في الصلاتين مع ما لهما من قوة المانع فبالحري أن لا تلحقه في غيرهما ( ثم قرأ ) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- أو جرير ( فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ) إلخ أي وصل في هذين الوقتين ، وعبر عن الكل بالجزء وهو التسبيح المراد به الثناء في الافتتاح المقرون بحمد الرب المشتمل عليه سورة الفاتحة ، أو المراد بالتسبيح تنزيه الرب عن الشريك ونحوه من صفات النقصان والزوال .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .