يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائما لهب الشواظ
واختلف في المراد به ، فقيل : معناه نسبة الإيمان إلى مكة ؛ لأن مبدأه منها ، ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة ، وقيل : المراد نسبة الإيمان إلى مكة ، والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حينئذ بتبوك ، ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم : أهل الحجاز والإيمان في ، وقيل : المراد بذلك الأنصار ؛ لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب الحديث له ، وتعقبه ابن [ ص: 302 ] الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره ، وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق ، والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم ، ومن اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه ، ولا يلزم من ذلك نفي الإيمان عن غيرهم ، وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين ، لقوله في بعض طرقه في الصحيح : " أهل اليمن ; هم ألين قلوبا وأرق أفئدة ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، ورأس الكفر قبل المشرق أتاكم " ، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته ، ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان ، فإن اللفظ لا يقتضيه ، قال : والمراد بالفقه الفهم في الدين ، والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله . انتهى ما في الفتح ، وقال النووي في شرح مسلم نقلا عن ابن الصلاح : في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائلها على بعض صفات الحكمة ، وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى ، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق ، والعمل به ، والصد عن اتباع الهوى ، والباطل ، والحكيم من له ذلك ، وقال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك ، أو زجرتك ، أو دعتك إلى مكرمة ، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة ، وحكم ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن من الشعر حكمة ، وفي بعض الروايات " حكما " . انتهى . قوله : ( وفي الباب عن ابن عباس وأبي مسعود ) . أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي وثقه وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح ، قاله ابن حبان الهيثمي : وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان ووقع في بعض النسخ ابن مسعود مكان أبي مسعود ، وأخرج حديثه عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : الطبراني الإيمان يمان ; ومضر عند أذناب الإبل وفيه عيسى بن قرطاس وهو متروك . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .