[ ص: 431 ] ثم دخلت سنة إحدى وتسعين
فيها
غزا الصائفة مسلمة بن عبد الملك ، وابن أخيه عبد العزيز بن الوليد .
وفيها
غزا مسلمة بلاد الترك حتى بلغ
الباب من ناحية
أذربيجان ، ففتح مدائن وحصونا كثيرة أيضا ، وكان
الوليد قد عزل عمه
محمد بن مروان عن
الجزيرة وأذربيجان ، وولاهما أخاه
مسلمة بن عبد الملك .
وفيها
غزا موسى بن نصير بلاد المغرب ، ففتح مدنا كثيرة ، ودخل في تلك البلاد ، وولج فيها حتى دخل أراضي غابرة قاصية ، فيها آثار قصور وبيوت ليس بها ساكن ، ووجد هناك من آثار نعمة أهل تلك البلاد ما يلوح على سماتها أن أهلها كانوا أصحاب أموال ونعمة دارة سابغة ، فبادوا جميعا فلا مخبر بها .
وفيها مهد
nindex.php?page=showalam&ids=16819قتيبة بن مسلم بلاد الترك الذين كانوا قد نقضوا ما كانوا عاهدوه عليه من المصالحة ، وذلك بعد قتال شديد ، وحرب يشيب لها الوليد ، وذلك أن ملوكهم كانوا قد اتعدوا في العام الماضي في أوان الربيع أن يجتمعوا ، ويقاتلوا
قتيبة ، وأن لا يولوا عن القتال حتى يخرجوا العرب من بلادهم ، فاجتمعوا اجتماعا هائلا لم يجتمعوا مثله في موقف ، فكسرهم
قتيبة ، وقتل منهم أمما كثيرة ، ورد الأمور إلى ما كانت عليه ، حتى ذكر أنه صلب منهم في
[ ص: 432 ] بعض المواضع من جملة من أخذ من الأسارى سماطين طولهما أربعة فراسخ من هاهنا وهاهنا ، واتبع
نيزك خان ملك الترك الأعظم من إقليم إلى إقليم ، ومن كورة إلى كورة ، ومن رستاق إلى رستاق ، ولم يزل ذلك دأبه ودأبه حتى حصره في قلعة هنالك شهرين متتابعين ، حتى نفد ما عند
نيزك خان من الأطعمة ، وأشرف هو ومن معه على الهلاك ، فبعث إليه
قتيبة من جاء به مستأمنا مذموما مخذولا ، فسجنه عنده ، ثم كتب إلى
الحجاج في أمره ، فجاء الكتاب بعد أربعين يوما بقتله ، فجمع
قتيبة الأمراء ، فاستشارهم فيه فاختلفوا عليه; فقائل يقول : اقتله . وقائل يقول : لا تقتله . فقال له بعض الأمراء : إنك أعطيت الله عهدا أنك إن ظفرت به لتقتلنه ، وقد أمكنك الله منه . فقال
قتيبة : والله لو لم يبق من عمري إلا ما يسع ثلاث كلمات لقتلته . ثم قال : اقتلوه اقتلوه اقتلوه ، فقتل هو وسبعمائة من أصحابه في غداة واحدة ، وأخذ
قتيبة من أموالهم وخيولهم وثيابهم وأبنائهم ونسائهم شيئا كثيرا ، وفتح في هذا العام مدنا كثيرة ، وقرر ممالك كثيرة .
[ ص: 433 ] قال
الواقدي وغيره : وحج بالناس في هذه السنة أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك ، فلما قرب من
المدينة أمر
عمر بن عبد العزيز نائب
المدينة أشراف
المدينة فتلقوه ، فرحب بهم ، وأحسن إليهم ، ودخل
المدينة النبوية ، فأخلي له
المسجد النبوي ، فلم يبق به أحد سوى
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، لم يتجاسر أحد أن يخرجه ، وإنما عليه ثياب لا تساوي خمسة دراهم ، فقالوا له : تنح عن المسجد أيها الشيخ ، فإن أمير المؤمنين قادم . فقال : والله لا أخرج منه . فدخل
الوليد المسجد فجعل يدور فيه يصلي هاهنا وهاهنا ، ويدعو الله عز وجل ، قال
عمر بن عبد العزيز : وجعلت أعدل به عن موضع
سعيد خشية أن يراه ، فحانت منه التفاتة ، فقال : من هذا ؟ أهو
سعيد بن المسيب؟ فقلت : نعم يا أمير المؤمنين ، ولو علم بمكانك لقام إليك وسلم عليك . فقال
الوليد : قد علمت حاله . وجعل يدور في المسجد ، ويتفرج في عمارته ، ويسألني عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنه وإنه ، وقصدت موافقته في ذلك ، فشرع
الوليد يثني عليه بالعلم والدين ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنه ضعيف البصر وإنما قلت ذلك لأعتذر له فقال : نحن أحق بالسعي إليه . فجاء فوقف عليه فسلم عليه ، فلم يقم له
سعيد ، ثم قال
[ ص: 434 ] الوليد : كيف الشيخ؟ فقال : بخير والحمد لله ، كيف أمير المؤمنين؟ فقال
الوليد : بخير والحمد لله وحده . ثم انصرف ، وهو يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز : هذا بقية الناس . فقال : أجل يا أمير المؤمنين .
قالوا : ثم خطب
الوليد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في الخطبة الأولى ، وانتصب قائما في الثانية ، وقال : هكذا خطب
عثمان بن عفان . ثم انصرف ، فصرف على الناس من أهل
المدينة ذهبا كثيرا وفضة كثيرة ، ثم كسا
المسجد النبوي كسوة من كسوة
الكعبة التي معه ، وهي من ديباج غليظ .