وممن توفي فيها من الأعيان :
nindex.php?page=showalam&ids=15345الخليفة المهتدي بالله في رجب ، كما تقدم .
nindex.php?page=showalam&ids=14413والزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، القرشي الزبيري ، قاضي
مكة قدم
بغداد وحدث بها ، وله كتاب " أنساب
قريش " ، وكان من أعلم الناس بذلك ، وكتابه في ذلك حافل جدا . وقد روى عنه
ابن ماجه وغيره ، وقد وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب وأثنى عليه وعلى كتابه . وتوفي
بمكة عن أربع وثمانين سنة في ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن
بمكة رحمه الله
.
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صاحب " الصحيح " .
وقد ذكرنا له ترجمة حافلة في أول شرحنا " لصحيحه " ، ولنذكر هاهنا نبذة يسيرة من ذلك ، فنقول وبالله المستعان : هو
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ، ويقال : بذدزبه ، الجعفي مولاهم ، أبو عبد الله البخاري الحافظ ، إمام أهل الحديث
[ ص: 527 ] في زمانه ، والمقتدى به في أوانه ، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه ، وكتابه " الصحيح " يستسقى بقراءته الغمام ، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام .
ولد
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ، ومات أبوه وهو صغير ، فنشأ في حجر أمه ، فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب ، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل : إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا . وحج وعمره ثماني عشرة سنة ، فأقام
بمكة يطلب بها الحديث ، ثم ارتحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنه الرحلة إليها ، وكتب عن أكثر من ألف شيخ ، وروى عنه خلائق وأمم .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي عن
الفربري ، أنه قال : سمع " الصحيح " من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري معي نحو من تسعين ألفا ، لم يبق منهم أحد غيري .
وقد روي "
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " من طريق
الفربري - كما هي رواية الناس اليوم من طريقه -
nindex.php?page=showalam&ids=15745وحماد بن شاكر ، وإبراهيم بن معقل ، وطاهر بن محمد بن مخلد ، وآخر من حدث عنه
أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدوي النسفي ، [ ص: 528 ] وقد
توفي النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=13484الأمير أبو نصر بن ماكولا . وممن روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مسلم في غير " الصحيح " ، وكان
مسلم يتلمذ له ويعظمه ، وروى عنه
الترمذي في " جامعه " ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في " سننه " في قول بعضهم .
وقد دخل
بغداد ثمان مرات ، وفي كل منها يجتمع بالإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فيحثه
أحمد على المقام
ببغداد ، ويلومه على الإقامة
بخراسان .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوري السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه ، ثم يقوم مرة أخرى حتى كان يتعدد ذلك منه قريبا من عشرين مرة .
وقد كان أصيب بصره وهو صغير ، فرأت أمه
إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فقال : يا هذه ، قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك ، أو قال : بكائك . فأصبح وهو بصير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت في مصنفاتي نحوا من مائتي ألف حديث مسندة . وكان يحفظها كلها .
ودخل مرة إلى
سمرقند فاجتمع به أربعمائة من علماء الحديث بها ، فركبوا
[ ص: 529 ] له أسانيد وأدخلوا إسناد
الشام في إسناد
العراق ، وخلطوا الرجال في الأسانيد ، وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها ، ثم قرءوها على
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فرد كل حديث إلى إسناده ، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها ، وما تعلقوا عليه بسقطة في إسناد ولا في متن . وكذلك صنع بمائة محدث في
أهل بغداد .
وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظ ما فيه من نظرة واحدة ، والأخبار عنه في هذا المعنى كثيرة .
وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه ; فقال الإمام
أحمد : ما أخرجت
خراسان مثله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : لم ير
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مثل نفسه . وقال
إسحاق بن راهويه : لو كان في زمن
الحسن لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفقهه . وقال
أبو بكر بن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13608ومحمد بن عبد الله بن نمير : ما رأينا مثله . وقال
علي بن حجر : لا أعلم مثله . وقال
محمود بن النضر أبو سهل الشافعي : دخلت
البصرة والشام والحجاز والكوفة ، ورأيت علماءها كلما جرى ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم . وقال
أبو العباس الدغولي : كتب
أهل بغداد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
[ ص: 530 ] المسلمون بخير ما حييت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال
الفلاس : كل حديث لا يعرفه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فليس بحديث . وقال
نعيم بن حماد : هو فقيه هذه الأمة . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14302يعقوب بن إبراهيم الدورقي . ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه .
وقال
قتيبة بن سعيد : رحل إلي من شرق الأرض وغربها ، فما رحل إلي مثل
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15890رجاء بن مرجى : فضل
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على العلماء - يعني في زمانه - كفضل الرجال على النساء . وقال : هو آية من آيات الله يمشي على الأرض . وقال
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي :
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبا .
وقال
إسحاق بن راهويه : هو أبصر مني . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي :
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل أعلم من دخل
العراق . وقال
عبيد العجلي : رأيت
[ ص: 531 ] أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يستمعان ما يقول ، ولم يكن
مسلم يبلغه ، وكان أعلم من
محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا ، وكان دينا فاضلا يحسن كل شيء . وقال غيره : رأيت
محمد بن يحيى الذهلي يسأل
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن الأسامي والكنى والعلل ، وهو يمر فيه كالسهم ، كأنه يقرأ :
قل هو الله أحد [ الإخلاص : 1 ] .
وقال
أحمد بن حمدون القصار : رأيت
مسلم بن الحجاج جاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فقبل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله . ثم سأله عن حديث كفارة المجلس ، فذكر له علته ، فلما فرغ قال
مسلم : لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك . وقال
الترمذي : لم أر
بالعراق ولا
بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وكنا يوما عند
عبد الله بن منير ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : جعلك الله زين هذه الأمة . قال
الترمذي : فاستجيب له فيه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ له من
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري . ولو ذهبنا نسطر ما أثنى عليه الأئمة في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وتبحره لطال علينا ، ونحن على عجل من أجل الحوادث ، وقد ذكرنا ذلك مبسوطا في أول شرح " الصحيح " ، والله سبحانه وتعالى هو المستعان .
[ ص: 532 ] وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، رحمه الله ، في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء ، والرغبة في الآخرة دار البقاء . قال : أرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني أني اغتبته . فذكر له " التاريخ " وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك ، فقال : ليس هذا من هذا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512756ائذنوا له ، فلبئس أخو العشيرة ونحن إنما روينا ذلك رواية ، ولم نقله من عند أنفسنا .
وقد كان - رحمه الله - يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة من رمضان ختمة ، وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا ، وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار سرا وعلانية ، وكان مستجاب الدعوة ، مسدد الرمية ، شريف النفس ; بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه ، فأرسل إليه : في بيته يؤتى الحكم ، إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي ، وأبى أن يذهب إليهم - وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15791خالد بن أحمد الذهلي ، نائب الظاهرية
ببخارى - فبقي في نفس الأمير من ذلك ; فاتفق أن جاءه كتاب من
محمد بن يحيى الذهلي من
نيسابور بأن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يقول بأن لفظه بالقرآن مخلوق - وكان وقد وقع بين
محمد بن يحيى الذهلي وبين
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ذلك كلام ، وصنف
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ذلك كتاب " خلق أفعال العباد " - فأراد أن يصرف الناس عن السماع من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد كان الناس يعظمونه جدا ، وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل
بخارى عائدا إلى أهله ، وكان
[ ص: 533 ] له مجلس الإملاء بجامعها ، فلم يقبلوا من الأمير ، فأمر عند ذلك بنفيه من البلاد ، فخرج منها ودعا على
nindex.php?page=showalam&ids=15791خالد بن أحمد ، فلم يمض شهر حتى أمر
ابن طاهر بأن ينادى على
nindex.php?page=showalam&ids=15791خالد بن أحمد على أتان ، وزال ملكه وسجن في
بغداد حتى مات ، ولم يبق أحد ساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد . فنزح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها :
خرتنك . على فرسخين من
سمرقند فنزل عند أقارب له بها ، وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن ; كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512757وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين .
ثم اتفق مرضه على إثر ذلك ، فكانت وفاته ليلة عيد الفطر ، وكانت ليلة السبت ، عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة - أعني سنة ست وخمسين ومائتين - وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، وفق ما أوصى به ، وحين دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من المسك ، فدام ذلك أياما ، ثم علت سوار بيض مستطيلة بحذاء قبره . وكان عمره يوم مات - رحمه الله - ثنتين وستين سنة .
وقد ترك - رحمه الله - بعده علما نافعا لجميع المسلمين ، فعمله فيه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512758إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، من علم ينتفع به الحديث . رواه
مسلم .
[ ص: 534 ] وشرطه في " صحيحه " هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في " الصحيح " ، لا يوازيه فيه غيره ، لا " صحيح
مسلم " ولا غيره . وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء :
صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لو أنصفوه لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء أمام متون كمثل الشهب
بها قام ميزان دين الرسول ودان به العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه تميز بين الرضا والغضب
وستر رقيق إلى المصطفى ونص مبين لكشف الريب
فيا عالما أجمع العالمون على فضل رتبته في الرتب
سبقت الأئمة في ما جمعت وفزت على زعمهم بالقصب
نفيت الضعيف من الناقلين ومن كان متهما بالكذب
وأبرزت في حسن ترتيبه وتبويبه عجبا للعجب
فأعطاك مولاك ما تشتهيه وأجزل حظك فيما وهب