خلافة الراضي بالله أبي العباس محمد بن المقتدر بالله
لما خلعت الجند
القاهر وسملوه ، أحضروا
أبا العباس محمد بن المقتدر بالله ، فبايعوه على الخلافة ، ولقبوه
nindex.php?page=showalam&ids=14341الراضي بالله ، وكان
أبو بكر الصولي قد أشار بأن يلقب
بالمرضي بالله ، فلم يقبل وعدل إلى هذا اللقب ، وذلك يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى من هذه السنة - أعني سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة - وجاءوا
بالقاهر وهو أعمى قد سملت عيناه ، فأوقف بين يديه ، فسلم عليه بالخلافة ، وسلمها إليه ، فقام
الراضي بأعبائها ، وكان من خيار الخلفاء على ما سنذكره ، وأمر بإحضار
أبي علي بن مقلة ، فولاه الوزارة ، وجعل
علي بن عيسى [ ص: 81 ] ناظرا عليه ، وأطلق كل من كان في حبس
القاهر ، واستدعى
عيسى طبيب القاهر ، فصادره بمائتي ألف دينار ، وتسلم منه الوديعة التي كان
القاهر أودعها عنده ، وكانت جملة مستكثرة من الذهب والفضة والنفائس .
وفي هذه السنة عظم أمر
مرداويج بأصبهان ، وتحدث الناس أنه يريد قصد
بغداد وأنه ممالئ لصاحب
البحرين وقد اتفقا على رد الدولة من العرب إلى العجم ، وأساء السيرة في رعيته ، لا سيما في خواصه من
الأتراك ، فتمالئوا على قتله فقتلوه - قبحه الله - وكان القائم بأعباء ذلك أخص مماليكه وأحظاهم عنده ، وهو
بجكم - بيض الله وجهه - وهذا الأمير هو الذي استنقذ الحجر الأسود من أيدي
القرامطة ، وافتداه منهم بخمسين ألف دينار ، بذلها لهم حتى ردوه إلى
مكة كما سيأتي . ولما قتل
nindex.php?page=showalam&ids=17062مرداويج بن زيار الديلمي ، عظم أمر
علي بن بويه ، وارتفع قدره بين الناس ، وعلا شأنه في الملوك ، وسيأتي ما آل إليه حاله .
ولما خلع
القاهر وولي
الراضي ، طمع
هارون بن غريب في الخلافة ; لكونه ابن خال
المقتدر ، وكان نائبا على ماه
الكوفة الدينور وماسبذان ، فدعا إلى ذلك واتبعه خلق من الجند والأمراء ، وجبى الأموال ، واستفحل أمره ، وقويت شوكته ، وقصد
بغداد فخرج إليه
محمد بن ياقوت رأس الحجبة في جميع جيش
بغداد فاقتتلوا هنالك ، فخرج في بعض الأيام
هارون بن غريب يتقصد
[ ص: 82 ] لعله يعمل حيلة في أسر
محمد بن ياقوت ، فتقنطر به فرسه ، فسقط في نهر ، فضربه غلام له حتى قتله ، وأخذ رأسه ، وجاء به إلى
محمد بن ياقوت ، فانهزم أصحاب
هارون ، ورجع
محمد بن ياقوت ، فدخل
بغداد ورأس
هارون بن غريب يحمل بين يديه على رمح ، ففرح الناس بذلك ، وكان يوما مشهودا .
وفيها ظهر رجل
ببغداد يعرف
nindex.php?page=showalam&ids=12471بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، ويقال له : ابن أبي العزاقر . فذكر عنه أنه يدعي ما كان يدعيه
الحلاج من الإلهية ، وكان قد مسك في دولة
المقتدر عند
حامد بن العباس ، واتهم بأنه يقول بالتناسخ ، فأنكر ذلك . ولما كانت هذه المرة أحضره
الراضي ، وادعى عليه بما ذكر عنه ، فأنكر ، ثم أقر بأشياء ، فأفتى قوم أن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة ، فضرب ثمانين سوطا ، ثم ضربت عنقه وصلب ، وألحق
بالحلاج - قبحهما الله - وقتل معه صاحبه
ابن أبي عون لعنه الله ، وكان هذا اللعين من جملة طائفة قد اتبعوه وصدقوه فيما يزعمه من الكفر ، لعنهم الله .
وقد بسط
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في " كامله " مذهب هؤلاء الكفرة بسطا جيدا ، وشبه مذهبهم بمذهب النصيرية ، لعنهما الله أجمعين .
وادعى رجل ببلاد
الشاش النبوة ، وأظهر مخاريق وأشياء كثيرة من الحيل ،
[ ص: 83 ] فجاءته الجيوش فقاتلوه ، فقتلوه ، وانطفأ خبره واضمحل أمره .