وفاة المهدي صاحب إفريقية ، أول خلفاء الفاطميين فيما زعموا
وفيها مات
أبو محمد عبيد الله ، المدعي أنه علوي - الملقب بالمهدي - باني
المهدية بمدينته
المهدية عن ثلاث وستين سنة ، وكانت ولايته ، منذ دخل
رقادة وادعى الإمامة ، أربعا وعشرين سنة وشهرا وعشرين يوما ، وهو أول الخلفاء
الفاطميين .
وقد كان شهما شجاعا ، ظفر بجماعة ممن خالفه وناوأه وقاتله وعاداه ، وقد قام بأمر الخلافة من بعده ولده
أبو القاسم الملقب بالخليفة القائم بأمر الله وحين توفي أبوه ، كتم موته سنة حتى دبر ما أراده من الأمور ، ثم أظهر ذلك ، وعزاه الناس فيه ، وقد كان شهما شجاعا كأبيه ، فتح البلاد ، وأرسل السرايا إلى بلاد
الروم ، ورام أخذ الديار المصرية ، فلم يتفق له ذلك ، وإنما جرى ذلك على يدي ابن ابنه
المعز الفاطمي الذي بنى
القاهرة المعزية ، كما سنذكره ، إن شاء الله تعالى .
[ ص: 84 ] قال القاضي
ابن خلكان في " الوفيات " : وقد اختلف في نسب
المهدي هذا اختلافا كثيرا جدا ; فقال صاحب " تاريخ
القيروان " : هو
عبيد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقال غيره : هو
عبيد الله بن التقي ، وهو الحسين بن الوفي ، أحمد بن الرضي عبد الله ، وهؤلاء الثلاثة يقال لهم : المستورون ; لخوفهم من خلفاء
بني العباس ،
والرضي عبد الله هذا هو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وقيل غير ذلك في نسبه .
قال القاضي
ابن خلكان : والمحققون ينكرون دعواه في النسب .
قلت : قد كتب غير واحد من الأئمة ، منهم الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني والقاضي
الباقلاني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14972والقدوري أن هؤلاء أدعياء ، ليس لهم نسب صحيح فيما يزعمونه ، وأن والد
عبيد الله هذا كان يهوديا صباغا
بسلمية ، وقيل : كان اسمه
سعيدا ، وإنما لقب
بعبيد الله . وكان زوج أمه
الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح ، وسمي
القداح ; لأنه كان كحالا يقدح العيون ، وكان الذي وطأ له الأمر بتلك البلاد
أبو عبد الله الشيعي كما قدمنا ذلك ، ثم استدعاه فلما قدم من بلاد المشرق وقع في يد صاحب
سجلماسة [ ص: 85 ] فسجنه ، فلم يزل
الشيعي حتى استنقذه وسلم إليه الأمر ، ثم ندم
الشيعي وهم بقتله ، ففطن
عبيد الله له فقتله وقتل معه أخاه . ويقال : إن
الشيعي لما دخل السجن وجد صاحب
سجلماسة قد قتله ، ووجد في السجن رجلا مجهولا ، فأخرجه للناس ، وقال : هذا هو
المهدي ، وروج به الأمر ، فهؤلاء من سلالته . حكاه القاضي
ابن خلكان
وكان مولد
المهدي هذا في سنة ستين ومائتين ، وقيل : قبلها ، وقيل : بعدها .
بسلمية ، وقيل :
بالكوفة . وأول ما دعي له على منابر
رقادة والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين ، بعد رجوعه من
سجلماسة وكان ظهوره بها في ذي الحجة من السنة الماضية ، سنة ست وتسعين ، وزالت دولة
بني العباس من تلك الناحية من هذا الحين إلى أن هلك
العاضد في سنة سبع وستين وخمسمائة .
وكانت وفاته
بالمهدية - التي بناها في أيامه - ليلة الثلاثاء للنصف من ربيع الأول من هذه السنة ، وقد جاوز الستين على المشهور ، وإلى الله عاقبة الأمور ، وسيفصل بين الآمر والمأمور ، يوم البعث والنشور .