[ ص: 355 ] ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة
فيها
جاء عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه إلى واسط ومعه وزير أبيه
أبو الفتح بن العميد ، فهرب منه
أفتكين في جماعة
الأتراك إلى
بغداد فسار وراءهم ، فنزل بالجانب الشرقي ، وأمر
بختيار أن ينزل على الجانب الغربي ، وحصر
الترك حصرا شديدا ، وأمر أمراء الأعراب أن يغيروا على الأطراف ، ويقطعوا الميرة الواصلة إلى
بغداد فغلت الأسعار
ببغداد جدا ، وامتنع الناس من المعاش من كثرة العيارين والنهب ، وكبس
أفتكين البيوت لطلب الطعام ، واشتد الحال جدا ، ثم التقت
الأتراك وعضد الدولة ، فكسرهم وهربوا إلى
تكريت واستحوذ
عضد الدولة على
بغداد وما والاها من البلاد ، وكانت
الترك قد أخرجوا معهم الخليفة ، فرده
عضد الدولة إلى دار الخلافة مكرما ، ونزل هو بدار الملك ، فضعف أمر
بختيار جدا ، ولم يبق معه شيء بالكلية ، فأغلق بابه وطرد الحجبة والكتبة عن بابه ، واستعفى عن الإمارة وكان ذلك بمشورة
عضد الدولة ، فاستعطفه
عضد الدولة في الظاهر ، وقد أشار عليه في الباطن أن لا يقبل ، فلم يقبل .
وترددت الرسل بينهما ، فصمم
بختيار على الامتناع ظاهرا ، فألزمه
عضد الدولة بذلك ، وأظهر للناس أنه إنما يفعل هذا عجزا منه عن القيام بأعباء الملك
[ ص: 356 ] فأمر بالقبض على
بختيار وعلى أهله وإخوته ، ففرح بذلك الخليفة
الطائع لله وسر به ، وأظهر
عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان دارسا ، وجدد دار الخلافة حتى صار كل محل منها آنسا ، وأرسل إلى الخليفة بالأموال الكثيرة والأمتعة الحسنة ، وقتل جماعة المفسدين من مردة
الترك وشطار العيارين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي :
وفي هذه السنة عظم البلاء بالعيارين ببغداد ، وأحرقوا سوق باب الشعير ، وأخذوا أموالا كثيرة ، وركبوا الخيول ، وتلقبوا بالقواد ، وأخذوا الخفر من الأسواق والدروب ، وعظمت المحنة بهم جدا ، واستفحل أمرهم كثيرا ، حتى إن رجلا منهم أسود كان مستضعفا نجم فيهم وكثر ماله حتى اشترى جارية بألف دينار ، فلما حصلت عنده حاولها عن نفسها فأبت عليه ، فقال لها : ماذا تكرهين مني ؟ قالت : أكرهك كلك ، فقال : فما تحبين ؟ فقالت : تبيعني ، فقال : أوخير من ذلك ؟ فحملها إلى القاضي ، فأعتقها ، وأعطاها ألف دينار وأطلقها ، فتعجب الناس من حلمه وكرمه مع فسقه وتمرده .
قال : وورد الخبر
في المحرم بأنه خطب للمعز الفاطمي بمكة والمدينة في الموسم ، ولم يخطب للطائع .
قال : وفي
رجب منها غلت الأسعار ببغداد جدا حتى بيع الكر الدقيق الحوارى بمائة ونيف وسبعين دينارا .
[ ص: 357 ] قال : وفيها اضمحل أمر
عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه ، وتفرق جنده عنه ، ولم يبق معه سوى
بغداد وحدها ، فبعث إلى أبيه يشكو له ذلك ، فأرسل يلومه على الغدر بابن عمه
عز الدولة ، فلما بلغه ذلك خرج من
بغداد إلى
فارس بعدما أخرج ابن عمه
بختيار من السجن ، وخلع عليه ، وأعاده إلى ما كان عليه ، وشرط عليه أن يكون نائبا له
بالعراق يخطب له بها ، وجعل معه أخاه
أبا إسحاق أمير الجيوش لضعف
بختيار عن تدبير الأمور ، واستمر ذاهبا إلى بلاد
فارس وذلك كله عن أمر أبيه له بذلك ، وغضبه عليه بسبب غدره بابن عمه ، وتكرار مكاتباته إليه في ذلك .
ولما سار
عضد الدولة ترك بعده وزير أبيه
أبا الفتح بن العميد ليلحقه بعد ثلاث ، فتشاغل بالقصف مع
عز الدولة واللعب واللهو ، فأوجب ذلك وحشة بين
عضد الدولة وبين
ابن العميد ، فكان ذلك سبب هلاك
ابن العميد ، ولما استقر
عز الدولة بختيار ببغداد وملك
العراق لم يف لابن عمه
عضد الدولة بشيء مما كان عاهده عليه ، ولا ما كان التزم له به بين يديه ، بل تمادى في ضلاله القديم ، واستمر على سننه الذي هو غير مستقيم .
قال : وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة
تزوج الخليفة الطائع لله شاه ناز بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار . [ ص: 358 ] وفي سلخ ذي القعدة عزل القاضي
أبو الحسن محمد بن صالح بن أم شيبان ، وقلده
أبو محمد بن معروف .
وأقام الحج في هذه السنة أصحاب المعز الفاطمي ، وخطب له بالحرمين الشريفين دون الخليفة الطائع ، والله سبحانه أعلم .