[ ص: 793 ] ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة
فيها
قبض السلطان ألب أرسلان على وزير عمه عميد الملك الكندري ، وسجنه في بعض القلاع سنة ، ثم أرسل إليه من قتله ، واعتمد في الوزارة على
نظام الملك وكان وزير صدق ، يكرم العلماء والفقراء ، ولما عصى
الملك شهاب الدولة قتلمش ، وخرج عن الطاعة ، وطمع في أخذ الملك من
ألب أرسلان ، وكان من بني عم
طغرلبك ، فجمع وحشد واحتفل له
ألب أرسلان ، فقال له الوزير : أيها الملك ، لا تخف ; فإني قد استخدمت لك جندا ليليا يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم ، وهم العلماء والصلحاء . فطابت نفسه بذلك ، فحين التقى مع
قتلمش لم ينتظره أن كسره ، وقتل خلقا من جنوده ، وقتل
قتلمش في المعركة ، واجتمعت الكلمة على
ألب أرسلان .
وفيها أرسل ولده
ملكشاه ووزيره
نظام الملك هذا في جنود عظيمة إلى بلاد
الكرج ، ففتحوا حصونا كثيرة وغنموا أموالا جزيلة جدا ، وفرح المسلمون بنصرهم ، وكتب كتاب ولده على ابنة الخان الأعظم صاحب
ما وراء النهر وزوج ولده الآخر بابنة صاحب
غزنة واجتمع شمل البيتين السلجوقي والمحمودي .
وفيها أذن
ألب أرسلان للسيدة ابنة الخليفة في الرجوع إلى
بغداد وأرسل
[ ص: 794 ] معها بعض القضاة والأمراء ، فدخلت
بغداد في تجمل عظيم ، وخرج الناس للنظر إليها ، فدخلت ليلا في أبهة ، ففرح الخليفة وأهلها بذلك ، وأمر الخليفة بالدعاء للملك
ألب أرسلان على المنابر في الخطب ، فقيل في الدعاء : اللهم وأصلح السلطان المعظم عضد الدولة وتاج الملة
ألب أرسلان أبا شجاع محمد بن داود . وجلس الخليفة للناس جلوسا عاما وبايعهم للملك
ألب أرسلان وأرسل إليه بالخلع والتقليد مع
الشريف نقيب العباسيين طراد بن محمد الزينبي ،
وأبي محمد التميمي ، وموفق الخادم ، ولقب الوزير
نظام الملك قوام الدين والدولة رضي أمير المؤمنين ، وإنما كان يقال له قبل ذلك : خواجا بزرك . وأرسل الملك
ألب أرسلان بالهدايا والتحف النفيسة المفتخرة ، واستقر أمره على
بغداد وجميع بلاد
العراق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : وفي ربيع الأول شاع
ببغداد أن قوما من
الأكراد خرجوا يتصيدون ، فرأوا في البرية خياما سودا ، سمعوا فيها لطما شديدا ، وعويلا كثيرا ، وقائلا يقول : قد مات سيدوك ملك الجن ، وأي بلد لم يلطم به عليه ، ولم يقم له مأتم فيه قلع أصله وأهلك أهله . قال : فخرج النساء العواهر من حريم
بغداد إلى المقابر يلطمن ثلاثة أيام ويخرقن ثيابهن ، وينشرن شعورهن ، وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك ، وفعل هذا في
واسط وخوزستان وغيرها من البلاد . قال : وكان هذا فنا من الحمق لم ينقل مثله .
[ ص: 795 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : وفي يوم الجمعة ثاني عشر شعبان هجم قوم من أصحاب
عبد الصمد على
أبي علي بن الوليد المدرس للمعتزلة فسبوه وشتموه ; لامتناعه من الصلاة في الجامع وتدريسه لهذا المذهب ، وأهانوه وجروه ، ولعنت
المعتزلة في جامع
المنصور ، وجلس
أبو سعد بن أبي عمامة ، فلعن
المعتزلة ، قبحهم الله .
وفي شوال ورد الخبر بأن السلطان غزا بلدا عظيما ، فيه سبعمائة ألف دار ، وألف بيعة ودير ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وأسر خمسمائة ألف إنسان .
وفي ذي القعدة
حدث بالناس وباء عظيم ببغداد وغيرها من بلاد العراق ، وغلت الأسعار التي يتداوى بها ، وعدم الشيرخشك وقل التمرهندي ، وزاد الحر في تشارين ، وفسد الهواء .
وفي هذا الشهر خلع على
أبي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله العلوي في بيت النوبة بنقابة الطالبيين ، والحج والمظالم ، ولقب بالطاهر ذي المناقب ، وقرئ تقليده في الموكب .
وحج بالناس
أهل العراق في هذه السنة . ولله الحمد والمنة .