[ ص: 340 ] ثم دخلت
سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
في ليلة مستهل ربيع الأول منها احترق القصر الذي بناه
المسترشد ، وكان في غاية الحسن ، وكان الخليفة
المقتفي قد انتقل بجواريه وحظاياه إليه ; ليقيم فيه ثلاثة أيام فما هو إلا أن ناموا حتى احترق عليهم القصر ; بسبب أن جارية أخذت في يدها شمعة فعلق لهبها ببعض الأخشاب ; فاحترق القصر وسلم الله الخليفة وأهله فأصبح فتصدق بأشياء كثيرة وأطلق خلقا من المحبسين .
وفي رجب منها وقع بين الخليفة والسلطان
مسعود واقع فبعث الخليفة إلى الجوامع والمساجد فأغلقت ثلاثة أيام حتى اصطلحا .
وفي يوم الجمعة المنتصف ذي القعدة جلس
ابن العبادي الواعظ ، فتكلم والسلطان
مسعود حاضر ، وكان قد وضع على الناس في البيع مكسا فاحشا فقال في جملة وعظه : يا سلطان العالم أنت تطلق في بعض الأحيان للمغني إذا طربت قريبا مما وضعت على المسلمين من هذا المكس ، فهبني مغنيا وقد طربت فهب لي هذا المكس ، شكرا لنعم الله عليك فأشار السلطان بيده أن قد فعلت فضج الناس بالدعاء له وكتب بذلك سجلات ونودي في البلد بإسقاط ذلك المكس ففرح الناس بذلك ولله الحمد والمنة .
[ ص: 341 ] وفي هذه السنة قل المطر جدا ، وقلت مياه الأنهار ، وانتشر جراد عظيم ، وأصاب الناس داء في حلوقهم فمات بذلك خلائق كثيرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفيها قتل الملك
عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آق سنقر التركي ، صاحب
الموصل وحلب وغيرها من بلاد
الشام والجزيرة ، وكان محاصرا قلعة جعبر ، وفيها
سالم بن مالك العقيلي فبرطل بعض مماليك
زنكي حتى قتلوه في الليلة الخامسة من ربيع الأول من هذه السنة ، قال
العماد الكاتب : كان سكران فالله أعلم .
وقد كان من خيار الملوك وأحسنهم سيرة وشكلا ، وكان شجاعا مقداما حازما ، خضعت له ملوك الأطراف وكان من أشد الناس غيرة على نساء الرعية ، وأجود الملوك معاملة ، وأرفقهم بالعامة وملك من بعده
بالموصل ولده
سيف الدين غازي ، وبحلب ولده
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود ، فاستعاد
نور الدين هذا مدينة
الرها وكان أبوه قد فتحها . ثم عصوا فقهرهم .
وفي هذه السنة ملك
عبد المؤمن صاحب
المغرب جزيرة
الأندلس بعد حروب طويلة .
[ ص: 342 ] وفيها ملكت
الفرنج ، - لعنهم الله - مدينة
طرابلس الغرب وفيها استعاد صاحب
دمشق مدينة
بعلبك ، وفيها الأمير
نجم الدين أيوب من جهة
زنكي ، فسلمه القلعة وأعطاه إمرته عنده
بدمشق .
وفيها قتل السلطان
مسعود حاجبه
عبد الرحمن طغايرك وقتل
عباسا صاحب
الري وألقى رأسه إلى أصحابه ، فانزعج الناس ونهبوا خيام
عباس هذا ، وقد كان
عباس من الشجعان المشهورين ، قاتل
الباطنية مع مخدومه
جوهر فلم يزل يقتل منهم حتى بنى مئذنة من رءوسهم بمدينة
الري .
وفيها مات نقيب النقباء
ببغداد محمد بن طراد الزينبي ، فولي بعده
علي بن طلحة الزينبي . وفيها سقط جدار على ابنة الخليفة ، وكانت قد بلغت مبالغ النساء فماتت فحضر جنازتها الأعيان .
وحج بالناس نظر الخادم . وحج في هذه السنة
نظام الدين بن جهير الوزير .