[ ص: 269 ] فصل في
الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيت المقدس ، ثم عروجه من هناك إلى السماوات ، وما رأى هنالك من الآيات
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أحاديث الإسراء في أوائل البعثة ، وأما
ابن إسحاق فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو من عشر سنين . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
الزهري أنه قال :
أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه إلى المدينة بسنة . قال : وكذلك ذكره
ابن لهيعة عن
أبي الأسود عن
عروة . ثم روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم عن
الأصم عن
أحمد بن عبد الجبار عن
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير عن
أسباط بن نصر عن
إسماعيل السدي أنه قال :
فرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس ببيت المقدس ليلة أسري به ، قبل مهاجره بستة عشر شهرا . فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة ، وعلى
[ ص: 270 ] قول
الزهري وعروة يكون في ربيع الأول .
وقال
أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا
عثمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16001سعيد بن مينا عن
جابر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس قالا : ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ، يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ، وفيه بعث ، وفيه عرج به إلى السماء ، وفيه هاجر وفيه مات . فيه انقطاع . وقد اختاره
الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في " سيرته " ، وقد أورد حديثا لا يصح سنده ، ذكرناه في " فضائل شهر رجب " ، أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب . والله أعلم . ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب ، وهي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة ، ولا أصل لذلك . والله أعلم . وينشد بعضهم في ذلك
ليلة الجمعة عرج بالنبي ليلة الجمعة أول رجب
وهذا الشعر عليه ركاكة ، وإنما ذكرناه استشهادا لمن يقول به . وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك مستقصاة ، عند قوله تعالى :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير [ الإسراء : 1 ] فلتكتب من هناك على ما هي عليه من الأسانيد والعزو والكلام عليها ، ومعها ، ففيها مقنع وكفاية . ولله الحمد والمنة .
[ ص: 271 ] ولنذكر ملخص كلام
ابن إسحاق رحمه الله ، فإنه قال بعد ذكر ما تقدم من الفصول : ثم أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى وهو
بيت المقدس من
إيلياء ، وقد فشا الإسلام
بمكة ، في
قريش وفي القبائل كلها ، قال : وكان من الحديث فيما بلغني عن مسراه - صلى الله عليه وسلم - عن
ابن مسعود وأبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، ومعاوية وأم
هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن بن أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره وكان في مسراه - صلى الله عليه وسلم - وما ذكر لي منه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله ، في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله على يقين ، فأسري به كيف شاء ، وكما شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره ، وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد ، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود فيما بلغني ، يقول :
أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراق ، وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها ، فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى ، في نفر من الأنبياء ، قد جمعوا له ، فصلى بهم ، ثم أتي بثلاثة آنية ; من لبن ، وخمر ، وماء . فذكر أنه شرب إناء اللبن ، " فقال لي جبريل : هديت وهديت أمتك " . [ ص: 272 ] وذكر
ابن إسحاق في سياق
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري مرسلا .
، أن جبريل أيقظه ، ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام ، فأركبه البراق ، وهو " دابة أبيض ، بين البغل والحمار ، وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع حافره في منتهى طرفه ، ثم حملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته " .
قلت : وفي الحديث ، وهو عن قتادة فيما ذكره
ابن إسحاق ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد ركوب البراق ، شمس به ، فوضع جبريل يده على معرفته ، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع ! فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحى حتى ارفض عرقا ، ثم قر حتى ركبته . قال
الحسن في حديثه :
فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومضى معه جبريل حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى ، في نفر من الأنبياء ، فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم . ثم ذكر
اختياره إناء اللبن على إناء الخمر ، وقول
جبريل له : هديت وهديت أمتك ، وحرمت عليكم الخمر . قال : ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
مكة فأصبح يخبر
قريشا بذلك ، فذكر أنه كذبه أكثر الناس ، وارتدت طائفة بعد إسلامها ،
[ ص: 273 ] وبادر
الصديق إلى
التصديق وقال : إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية ، أفلا أصدقه في
بيت المقدس ! وذكر أن
الصديق سأله عن صفة
بيت المقدس ، فذكرها له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فيومئذ سمي
أبو بكر الصديق . قال
الحسن : وأنزل الله في ذلك :
وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [ الإسراء : 60 ] الآية .
وذكر
ابن إسحاق فيما بلغه عن
أم هانئ ، أنها قالت :
ما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من بيتي ، نام عندي تلك الليلة بعد ما صلى العشاء الآخرة ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا ، فلما صلى الصبح وصلينا معه ، قال : " يا أم هانئ ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم قد صليت الغداة معكم الآن كما ترين " . ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه ، فقلت : يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الحديث الناس ، فيكذبوك ويؤذوك . قال : " والله لأحدثنهموه " . فأخبرهم فكذبوه ، فقال : " وآية ذلك ، أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة ، فند لهم بعير ، فدللتهم عليه وأنا موجه إلى الشام ، ثم أقبلت [ ص: 274 ] حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء ، قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ، وآية ذلك ، أن عيرهم يصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان ، إحداهما سوداء والأخرى برقاء . قالت : فابتدر القوم الثنية ، فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء وعن البعير فأخبروهم ، كما ذكر صلوات الله وسلامه عليه
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير عن
أسباط عن
إسماعيل السدي أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير ، فدعا الله ، عز وجل ، فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم . قال : فلم تحتبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم ، وعلى
يوشع بن نون . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي .
قال
ابن إسحاق : وأخبرني من لا أتهم ، عن
أبي سعيد قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510137 " لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر ، [ ص: 275 ] فأصعدني فيه صاحبي ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ، يقال له : باب الحفظة . عليه ملك من الملائكة يقال له : إسماعيل . تحت يده اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك " . قال : يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حدث بهذا الحديث : وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر : 31 ] ثم ذكر بقية الحديث ، وهو مطول جدا ، وقد سقناه بإسناده ولفظه بكماله في " التفسير " وتكلمنا عليه ; فإنه من غرائب الأحاديث ، وفي إسناده ضعف ، وكذا في سياق حديث
أم هانئ ; فإن الثابت في " الصحيحين " ، من رواية
شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن
أنس أن الإسراء كان من المسجد من عند الحجر . وفي سياقه غرابة أيضا من وجوه ، قد تكلمنا عليها هناك ، ومنها قوله : وذلك قبل أن يوحى إليه . والجواب أن مجيئهم أول مرة كان قبل أن يوحى إليه ، فكانت تلك الليلة ولم يكن فيها شيء ، ثم جاءه الملائكة ليلة أخرى ولم يقل في ذلك : وذلك قبل أن يوحى إليه . بل جاءه بعد ما أوحي إليه ، فكان الإسراء قطعا بعد
[ ص: 276 ] الإيحاء ; إما بقليل كما زعمه طائفة ، أو بكثير نحو من عشر سنين ، كما زعمه آخرون ، وهو الأظهر ، وغسل صدره تلك الليلة قبل الإسراء غسلا ثانيا ، أو ثالثا ، على قول ; لأنه مطلوب إلى الملأ الأعلى والحضرة الإلهية . ثم ركب البراق رفعة له وتعظيما وتكريما ، فلما جاء
بيت المقدس ربطه بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ، ثم دخل
بيت المقدس فصلى في قبلته تحية المسجد . وأنكر
حذيفة رضي الله عنه دخوله إلى
بيت المقدس وربطه الدابة وصلاته فيه . وهذا غريب ، والنص المثبت مقدم على النافي . ثم اختلفوا في اجتماعه بالأنبياء وصلاته بهم ; أكان قبل عروجه إلى السماء كما دل عليه ما تقدم ، أو بعد نزوله منها . كما دل عليه بعض السياقات ، وهو أنسب ، كما سنذكره على قولين . فالله أعلم . وقيل : إن صلاته بالأنبياء كانت في السماء . وهكذا تخيره من الآنية اللبن والخمر والماء ; هل كانت
ببيت المقدس ، كما تقدم ، أو في السماء ، كما ثبت في الحديث الصحيح .
والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من أمر
بيت المقدس نصب له المعراج ، وهو السلم ، فصعد فيه إلى السماء ، ولم يكن الصعود على البراق ، كما قد يتوهمه بعض الناس ، بل كان البراق مربوطا على باب
مسجد بيت المقدس ; ليرجع عليه إلى
مكة ، فصعد من سماء إلى سماء في المعراج حتى جاوز السابعة ، وكلما جاء سماء ، تلقته منها مقربوها ، ومن فيها من أكابر الملائكة والأنبياء ،
[ ص: 277 ] وذكر أعيان من رآه من المرسلين ;
كآدم في سماء الدنيا ،
ويحيى وعيسى في الثانية ،
وإدريس في الرابعة ،
وموسى في السادسة ، على الصحيح ،
وإبراهيم في السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، يتعبدون فيه صلاة وطوافا ، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، ثم جاوز مراتبهم كلهم ، حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، ورفعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة ، ونبقها كقلال
هجر ، وغشيها عند ذلك أمور عظيمة ; ألوان متعددة باهرة ، وركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجر كثرة ، وفراش من ذهب ، وغشيها من نور الرب جل جلاله ، ورأى هناك
جبريل ، عليه السلام ، له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض ، وهو الذي يقول الله تعالى :
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى [ النجم : 13 - 17 ] أي : ما زاغ يمينا ولا شمالا ، ولا ارتفع عن المكان الذي حد له النظر إليه ، وهذا هو الثبات العظيم ، والأدب الكريم ، وهذه
الرؤيا الثانية لجبريل عليه السلام ، على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها ، كما نقله
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وأبو [ ص: 278 ] ذر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، رضي الله عنهم أجمعين . والأولى هي قوله تعالى :
علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [ النجم : 5 - 10 ] وكان ذلك بالأبطح تدلى
جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض ، حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى ، هذا هو الصحيح في " التفسير " كما دل عليه كلام أكابر الصحابة المتقدم ذكرهم رضي الله عنهم . فأما قول
شريك عن
أنس في حديث الإسراء : ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى . فقد يكون من فهم الراوي فأقحمه في الحديث . والله أعلم . وإن كان محفوظا ، فليس بتفسير للآية الكريمة ، بل هو شيء آخر غير ما دلت عليه الآية الكريمة . والله أعلم .
وفرض الله سبحانه وتعالى ، على عبده
محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى أمته الصلوات ليلتئذ ، خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، ثم لم يزل يختلف بين
موسى وبين ربه عز وجل . حتى وضعها الرب جل جلاله ، وله الحمد والمنة ، إلى خمس . وقال :
" هي خمس وهي خمسون : الحسنة بعشر أمثالها " . فحصل له التكليم من الرب عز وجل ليلتئذ ، وأئمة السنة كالمطبقين على هذا ،
واختلفوا في الرؤية ; فقال بعضهم : رآه بفؤاده مرتين . قاله
ابن عباس [ ص: 279 ] وطائفة ، وأطلق
ابن عباس وغيره الرؤية ، وهو محمول على التقييد . وممن أطلق الرؤية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين ، واختاره
ابن جرير وبالغ فيه ، وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين . وممن نص على الرؤية بعيني رأسه : الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري فيما نقله
السهيلي عنه ، واختاره الشيخ
أبو زكريا النووي في " فتاويه " . وقالت طائفة : لم يقع ذلك ; لحديث
أبي ذر في " صحيح
مسلم " ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510138قلت : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510139رأيت نورا " . قالوا : ولم يمكن رؤية الباقي بالعين الفانية ، ولهذا قال الله تعالى
لموسى فيما روي في بعض الكتب الإلهية : يا
موسى ، إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده . والخلاف في هذه المسألة مشهور بين السلف والخلف . والله أعلم .
ثم هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
بيت المقدس ، والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه
[ ص: 280 ] تكريما له وتعظيما ، عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة ، كما هي عادة الوافدين ; لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه ، ولهذا كان كلما مر على واحد منهم ، يقول له
جبريل عند مقدم ذاك للسلام عليه : هذا فلان ، فسلم عليه . فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده ، لما احتاج إلى تعرف بهم مرة ثانية ، ومما يدل على ذلك ، أنه قال :
" فلما حانت الصلاة أممتهم " . ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر فتقدمهم إماما بهم عن أمر
جبريل فيما يرويه عن ربه عز وجل فاستفاد بعضهم من هذا ، أن
الإمام الأعظم يقدم في الإمامة على رب المنزل ; حيث كان
بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم ثم خرج منه فركب البراق ، وعاد إلى
مكة فأصبح بها ، وهو في غاية الثبات والسكينة والوقار ، وقد عاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها أو بعضها غيره ، لأصبح مندهشا أو طائش العقل ، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - أصبح واجما ، أي ساكنا ، يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى ، أن يبادروا إلى تكذيبه ، فتلطف بإخبارهم أولا بأنه جاء
بيت المقدس في تلك الليلة ، وذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510141أن أبا جهل لعنه الله ، رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد الحرام ، وهو جالس واجم ، فقال له : هل من خبر ؟ فقال : " نعم " . فقال : وما هو ؟ فقال : " إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس " . قال : إلى بيت المقدس ؟ ! قال : " نعم " . قال : أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم ، أتخبرهم بما أخبرتني به ؟ قال : " نعم " . فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك ، وأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم ، فقال أبو جهل : هيا معشر قريش . فاجتمعوا من أنديتهم ، فقال : أخبر قومك بما أخبرتني به . فقص عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى ، [ ص: 281 ] وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه ، فمن بين مصفق ، وبين مصفر ، تكذيبا له واستبعادا لخبره ، وطار الخبر بمكة ، وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فأخبروه أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا . فقال : إنكم تكذبون عليه . فقالوا : والله إنه ليقوله . فقال : إن كان قاله فلقد صدق . ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله مشركو قريش ، فسأله عن ذلك فأخبره ، فاستعلمه عن صفات بيت المقدس ; ليسمع المشركون ويعلموا صدقه فيما أخبرهم به . وفي " الصحيح " أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510142 " فجعلت أخبرهم عن آياته ، فالتبس علي بعض الشيء ، فجلى الله لي بيت المقدس ، حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم " . فقالوا : أما الصفة فقد أصاب .
وذكر
ابن إسحاق ما تقدم من إخباره لهم بمروره بعيرهم ، وما كان من شربه ماءهم . فأقام الله عليهم الحجة ، واستنارت لهم المحجة ، فآمن من آمن على يقين من ربه ، وكفر من كفر بعد قيام الحجة عليه ، كما قال الله تعالى :
وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء : 60 ] أي ; اختبارا لهم وامتحانا . قال
ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهذا مذهب جمهور السلف والخلف ، من أن الإسراء كان ببدنه وروحه صلوات الله وسلامه عليه ، كما دل على ذلك ظاهر السياقات من ركوبه وصعوده في
[ ص: 282 ] المعراج ، وغير ذلك ; ولهذا قال تعالى :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى [ الإسراء : 1 ] والتسبيح إنما يكون عند الآيات العظيمة الخارقة ، فدل على أنه بالروح والجسد ، والعبد عبارة عنهما ، وأيضا فلو كان مناما لما بادر
كفار قريش إلى التكذيب به والاستبعاد له ، إذ ليس في ذلك كبير أمر ، فدل على أنه أخبرهم بأنه أسري به يقظة لا مناما .
وقوله في حديث
شريك عن
أنس :
" ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر " . معدود في غلطات
شريك أو محمول على أن الانتقال من حال إلى حال يسمى يقظة ، كما سيأتي في حديث
عائشة رضي الله عنها ، حين ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
الطائف فكذبوه . قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510144 " فرجعت مهموما ، فلم استفق إلا بقرن الثعالب " . وفي حديث
أبي أسيد nindex.php?page=hadith&LINKID=3510145حين جاء بابنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحنكه ، فوضعه على فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديث مع الناس ، فرفع أبو أسيد ابنه ، ثم استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجد الصبي ، فسأل عنه ، فقالوا : رفع . فسماه المنذر وهذا الحمل أحسن من التغليط . والله أعلم .
وقد حكى
ابن إسحاق فقال : حدثني بعض آل
أبي بكر عن
عائشة أم المؤمنين ، أنها كانت تقول :
ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن الله أسرى [ ص: 283 ] بروحه قال : وحدثني
يعقوب بن عتبة أن
معاوية كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كانت رؤيا من الله صادقة .
قال
ابن إسحاق فلم ينكر ذلك من قولهما ; لقول
الحسن : إن هذه الآية نزلت في ذلك
وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، وكما قال إبراهيم عليه السلام :
يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك [ الصافات : 102 ] وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510147تنام عيني وقلبي يقظان
قال
ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه ، وعاين فيه ما عاين من أمر الله تعالى ، على أي حاليه كان ، نائما أو يقظان ، كل ذلك حق وصدق .
قلت : وقد توقف
ابن إسحاق في ذلك ، وجوز كلا من الأمرين من حيث الجملة ، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى ، أنه كان يقظان لا محالة ; لما تقدم ، وليس مقتضى كلام
عائشة رضي الله عنها أن جسده - صلى الله عليه وسلم - ما فقد ، وإنما كان الإسراء بروحه ، أن يكون ذلك مناما كما فهمه
ابن إسحاق بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة ، وهو يقظان لا نائم ، وركب البراق ، وجاء
بيت المقدس ، وصعد السماوات ، وعاين ما عاين ، حقيقة
[ ص: 284 ] ويقظة لا مناما ، لعل هذا مراد
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، ومراد من تابعها على ذلك ، لا ما فهمه
ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام . والله أعلم .
تنبيه : ونحن لا ننكر وقوع منام قبل الإسراء ، طبق ما وقع بعد ذلك ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، وقد تقدم مثل ذلك في حديث بدء الوحي ، أنه رأى مثل ما وقع له يقظة ، مناما قبله ، ليكون ذلك من باب الإرهاص والتوطئة والتثبيت والإيناس . والله أعلم .
ثم قد اختلف العلماء في أن
الإسراء والمعراج هل كانا في ليلة واحدة ، أو كل في ليلة على حدة ؟ فمنهم من يزعم أن الإسراء في اليقظة ، والمعراج في المنام . وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة في " شرحه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن طائفة ، أنهم ذهبوا إلى أن الإسراء مرتان ، مرة بروحه مناما ، ومرة ببدنه وروحه يقظة . وقد حكاه
الحافظ أبو القاسم السهيلي عن شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبي بكر بن العربي الفقيه المالكي . وهذا القول يجمع الأحاديث ; فإن في حديث شريك عن أنس : وذلك فيما يرى قلبه ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، وقال في آخره :
" ثم استيقظت ، فإذا أنا في الحجر " . وهذا منام ، ودل غيره على اليقظة . ومنهم من يدعي
تعدد الإسراء في اليقظة أيضا ، حتى قال بعضهم : إنها أربع إسراءات . وزعم بعضهم أن بعضها كان
بالمدينة . وقد حاول الشيخ شهاب الدين
أبو شامة رحمه الله ،
[ ص: 285 ] أن يوفق بين اختلاف ما وقع في روايات حديث الإسراء بالجمع بالتعدد ، فجعل ثلاث إسراءات ، مرة من
مكة إلى
بيت المقدس فقط على البراق ، ومرة من
مكة إلى السماوات على البراق أيضا ، لحديث
حذيفة ومرة من
مكة إلى
بيت المقدس ثم إلى السماوات .
فنقول : إن كان إنما حمله على القول بهذه الثلاث اختلاف الروايات ، فقد اختلف لفظ الحديث في ذلك على أكثر من هذه الثلاث صفات ، ومن أراد الوقوف على ذلك ، فلينظر فيما جمعناه مستقصى في كتابنا " التفسير " عند قوله تعالى
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ، وإن كان إنما حمله ، أن التقسيم انحصر في ثلاث صفات بالنسبة إلى
بيت المقدس وإلى السماوات ، فلا يلزم من الحصر العقلي الوقوع كذلك في الخارج إلا بدليل ، والله أعلم .
والعجب أن الإمام
أبا عبد الله البخاري رحمه الله ، ذكر الإسراء بعد ذكره موت
أبي طالب فوافق
ابن إسحاق في ذكره المعراج في أواخر الأمر ، وخالفه في ذكره بعد موت
أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق أخر ذكر موت
أبي طالب على الإسراء . فالله أعلم أي ذلك كان .
والمقصود أن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فرق بين الإسراء وبين المعراج ، فبوب لكل منهما بابا على حدة ، فقال : باب حديث الإسراء وقول الله سبحانه وتعالى :
[ ص: 286 ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلا حدثنا
يحيى بن بكير حدثنا
الليث عن
عقيل عن
ابن شهاب حدثني
أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" لما كذبتني قريش ، كنت في الحجر ، فجلى الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته ، وأنا أنظر إليه " . وقد رواه
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
الزهري عن
أبي سلمة عن
جابر به . ورواه
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
عبد الله بن الفضل عن
أبي سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : باب حديث المعراج : حدثنا
هدبة بن خالد حدثنا
همام حدثنا
قتادة عن
أنس بن مالك عن
مالك بن صعصعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510149 " بينما أنا في الحطيم وربما قال : في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال : وسمعته يقول : فشق ما بين هذه إلى هذه " . فقلت nindex.php?page=showalam&ids=13975للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته . وسمعته يقول : من قصه [ ص: 287 ] إلى شعرته . " فاستخرج قلبي ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا ، فغسل قلبي ، ثم حشي ، ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل ، وفوق الحمار أبيض " . فقال له الجارود : وهو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم . يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . ففتح ، فلما خلصت ، فإذا فيها آدم . فقال : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : " مرحبا بالابن الصالح ، والنبي الصالح " ثم صعد بي إلى السماء الثانية ، فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . ففتح ، فلما خلصت ، إذا يحيى وعيسى ، وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما . فسلمت فردا ، ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . ففتح فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة ، فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قال : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا إدريس قال : هذا إدريس فسلم عليه . فسلمت فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ [ ص: 288 ] الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة ، فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون ، فسلم عليه . فسلمت عليه فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . فلما تجاوزت بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي ; لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم رفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ، ونهران باطنان . فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات . ثم رفع لي البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن ، وإناء من عسل ، فأخذت [ ص: 289 ] اللبن ، فقال : هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك . ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بم أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك . فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله . فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فقال مثله ، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى ، فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك . قال : سألت ربي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم . قال : فلما جاوزت ناداني مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي " . هكذا روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هذا الحديث هاهنا ، وقد رواه في مواضع أخر من " صحيحه "
ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طرق عن
قتادة عن
أنس عن
مالك بن صعصعة . ورويناه من حديث
أنس بن مالك عن
أبي بن كعب ومن حديث
أنس عن
أبي ذر ومن طرق
[ ص: 290 ] كثيرة عن
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقد ذكرنا ذلك مستقصى بطرقه وألفاظه في التفسير . ولم يقع في هذا السياق ذكر
بيت المقدس وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به ، أو ينساه أو يذكر ما هو الأهم عنده ، أو يبسط تارة فيسوقه كله ، وتارة يحدث مخاطبه بما هو الأنفع له . ومن جعل كل رواية إسراء على حدة - كما تقدم عن بعضهم - فقد أبعد جدا ; وذلك أن كل السياقات فيها السلام على الأنبياء ، وفي كل منها تعريفه بهم . وفي كلها يفرض عليه الصلوات ، فكيف يمكن أن يدعى تعدد ذلك ؟ هذا في غاية البعد والاستحالة ، والله أعلم .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي حدثنا
سفيان عن
عمرو عن
عكرمة عن
ابن عباس في قوله تعالى :
وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال : هي رؤيا عين ، أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى
بيت المقدس ، والشجرة الملعونة في القرآن قال : هي شجرة الزقوم .