نكتة غريبة
قال
الشيخ شهاب الدين أبو شامة في " الروضتين " : وقد تكلم شيخنا
أبو الحسن علي بن محمد السخاوي في تفسيره الأول ، فقال : وقع في تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=12981أبي الحكم الأندلسي - يعني ابن برجان - في أول سورة
الروم إخبار عن فتح بيت المقدس وأنه ينزع من أيدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة . قال
السخاوي : ولم أره أخذ ذلك من علم الحروف ، وإنما أخذه فيما يزعم من قوله
الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين [ الروم : 1 ، 2 ] فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجمون ، ثم ذكر أنهم يغلبون في سنة كذا ، ويغلبون في سنة كذا ، على
[ ص: 593 ] ما تقتضيه دوائر التقدير . ثم قال : وهذه نجامة وافقت إصابة ، إن صح أنه قال ذلك قبل وقوعه ، وكان في كتابه قبل حدوثه ، قال : وليس هذا من قبيل علم الحروف ، ولا من باب الكرامات ; لأنها لا تنال بحساب . قال : وقد ذكر في تفسير سورة القدر أنه لو علم الوقت الذي نزل فيه القرآن لعلم الوقت الذي يرفع فيه .
قلت :
ابن برجان ذكر هذا في تفسيره في حدود سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة ، ويقال : إن
الملك نور الدين أوقف على ذلك فطمع أن يعيش إلى سنة ثلاث وثمانين ; لأن مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، فتهيأ لأسباب ذلك حتى إنه أعد منبرا عظيما
لبيت المقدس إذا فتحه الله على يديه . والله أعلم .
وأما الصخرة العظيمة فإن السلطان أزال ما حولها وعندها من المنكرات والصور والصلبان ، وأظهرها بعدما كانت خفية مستورة غير مرئية ، وأمر
الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري أن يعمل حولها شبابيك من حديد ، ورتب لها إماما
[ ص: 594 ] راتبا ، ووقف عليه رزقا جيدا ، وكذلك على إمام محراب الأقصى ، وعمل للشافعية المدرسة الصلاحية ويقال لها : الناصرية . أيضا ، وكان موضعها كنيسة على
صند حنة أي قبر
حنة أم مريم ، عليها السلام ، ووقف على
الصوفية رباطا كان دارا للتبرك إلى جنب القمامة ، وأجرى على الفقهاء والفقراء الجامكيات والجرايات ، وأرصد الختمات والربعات في أرجاء
المسجد الأقصى ، لمن يقرأ أو ينظر فيها من المقيمين والزائرين .
وتنافس
بنو أيوب فيما يفعلونه من الخيرات
بالقدس الشريف للقادمين والظاعنين والقاطنين ، فجزاهم الله خيرا أجمعين ، وعزم السلطان على هدم قمامة وجعلها دكا لتنحسم مادة
النصارى من
بيت المقدس فقيل له : إن هؤلاء لا يتركون الحج إلى هذه البقعة ، ولو تركتها قاعا صفصفا ، وقد فتح هذه البلد أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب وترك هذه الكنيسة بأيديهم ، فلك في ذلك أسوة . فأعرض عنها وتركها على حالها تأسيا
بعمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، ولم يترك بها من
النصارى سوى أربعة يخدمونها ، وحال بين
النصارى وبينها ، وهدم المقابر التي كانت لهم عند باب الرحمة ، وعفى آثارها ، وهدم ما كان هناك من القباب وعجل دمارها .
وأما أسارى المسلمين الذين كانوا
بالقدس ; فإن السلطان أطلقهم ، وأطلق لهم إعطاءات هنية ، وكساهم حللا سنية ، وانطلق كل منهم إلى وطنه ، وعاد إلى أهله وسكنه ، فلله الحمد على نعمه ومننه .