[ ص: 173 ] ثم
دخلت سنة ست وعشرين وستمائة
استهلت هذه السنة وملوك بني أيوب مفترقون مختلفون ، قد صاروا أحزابا وفرقا ، وقد اجتمع ملوكهم إلى
الكامل محمد صاحب
مصر ، وهو مقيم بنواحي
القدس الشريف ، فقويت نفوس
الفرنج - لعنهم الله - بكثرتهم بمن وفد إليهم من البحر ، وبموت
المعظم واختلاف من بعده من الملوك ، فطلبوا من المسلمين أن يردوا إليهم ما كان
الناصر صلاح الدين أخذه منهم ، فوقعت المصالحة بينهم وبين الملوك أن يردوا لهم
بيت المقدس وحده ، وتبقى بأيديهم بقية ، فتسلموا
القدس الشريف ، وكان
المعظم قد هدم أسواره فعظم ذلك على المسلمين جدا ، وحصل وهن شديد وإرجاف عظيم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم قدم الملك
الكامل ، فحاصر
دمشق ، وضيق على أهلها ، فقطع الأنهار ، ونهبت الحواضر ، وغلت الأسعار ، ولم يزل الجنود حولها حتى أخرج منها ابن أخيه
صلاح الدين الملك الناصر داود بن المعظم ، على أن يقيم ملكا بمدينة
الكرك والشوبك ونابلس وقرايا من
الغور والبلقاء ، ويكون الأمير
عز الدين أيبك أستاذ دار المعظم صاحب
صرخد ، ثم تقايض
الأشرف وأخوه
الكامل ، فأخذ
الأشرف دمشق وأعطى أخاه
حران والرها ورأس العين والرقة [ ص: 174 ] وسروج ، ثم سار
الكامل فحاصر
حماة ، وكان صاحبها الملك
المنصور بن تقي الدين عمر قد توفي ، وعهد بالأمر من بعده إلى أكبر ولده
المظفر محمد ، وهو زوج
بنت الكامل ، فاستحوذ على
حماة أخوه
صلاح الدين قليج أرسلان ، فحاصره
الكامل حتى أنزله من قلعتها ، وسلمها إلى أخيه
المظفر محمد ، ثم سار فتسلم البلاد التي قايض بها عن
دمشق من أخيه الملك
الأشرف كما ذكرنا ، وكان الناس
بدمشق قد اشتغلوا بعلم الأوائل في أيام الملك
الناصر داود ، وكان يعاني ذلك ، وربما نسبه بعضهم إلى نوع من الانحلال . فالله أعلم . فنادى الملك
الأشرف بالبلدان أن لا يشتغل الناس بذلك ، وأن يشتغلوا بعلم التفسير والحديث والفقه ، وكان
سيف الدين الآمدي مدرسا بالعزيزية ، فعزله عنها ، وبقي ملازما منزله حتى مات في سنة إحدى وثلاثين كما سيأتي .
وفيها كان
الناصر داود قد أضاف إلى قاضي القضاة
شمس الدين بن الخويي القاضي
محيي الدين أبا الفضائل يحيى بن محمد بن علي بن الزكي ، فحكم أياما بالشباك ، شرقي باب الكلاسة ، ثم صار يحكم بداره ، مشاركا
لابن الخويي .