فصل
وهكذا خلفا بني أميه عدتهم كعدة الرفضيه ولكن المدة كانت ناقصه
عن مائة من السنين خالصه وكلهم قد كان ناصبيا
إلا الإمام عمر التقيا معاويه ثم ابنه يزيد
وابن ابنه معاوي السديد مروان ثم ابن له عبد الملك
منابذ لابن الزبير حتى هلك ثم استقل بعده بالملك
في سائر الأرض بغير شك ثم الوليد النجل باني الجامع
وليس مثل شكله من جامع ثم سليمان الجواد وعمر
ثم يزيد وهشام وغدر أعني الوليد بن يزيد الفاسقا
ثم يزيد بن الوليد فائقا يلقب الناقص وهو كامل
ثمت إبراهيم وهو عاقل ثم مروان الحمار الجعدي
آخرهم فاظفر بذا من بعدي
[ ص: 376 ] وممن قتل مع الخليفة واقف الجوزية
بدمشق أستاذ دار الخلافة الصاحب
محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المعروف
nindex.php?page=showalam&ids=11890بابن الجوزي ، ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة ، ونشأ شابا حسنا ، وحين توفي أبوه وعظ في موضعه ، فأحسن وأجاد وأفاد ، ثم تقدم وولي حسبة
بغداد مع الوعظ الرائق والأشعار الحسنة الفائقة ، وولي تدريس الحنابلة
بالمستنصرية سنة ثنتين وثلاثين وستمائة ، وكانت له تداريس أخر ، ثم لما ولي
nindex.php?page=showalam&ids=12824مؤيد الدين بن العلقمي الوزارة وشغر عنه الأستاذدارية وليها محيي الدين هذا ، وانتصب ابنه
عبد الرحمن للحسبة والوعظ ، فأجاد فيها ، وشعر أيضا حسنا ، ثم كانت الحسبة تتنقل في بنيه الثلاثة;
جمال الدين عبد الرحمن ، وشرف الدين عبد الله ، وتاج الدين عبد الكريم ، وقد قتلوا معه في هذه السنة ، رحمهم الله .
ولمحيي الدين هذا مصنف في مذهب الإمام
أحمد ، وقد ذكر له
ابن الساعي أشعارا حسنة يهنئ بها الخليفة في المواسم والأعياد تدل على فضيلة تامة وفصاحة بالغة ، وقد وقف المدرسة الجوزية
بدمشق ، وهي من أحسن المدارس وأوجهها ، تقبل الله منه وأثابه برحمته .
[ ص: 377 ] الصرصري المادح : يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام
الشيخ الإمام العلامة البارع ، جمال الدين أبو زكريا الصرصري ، الشاعر المادح الحنبلي الضرير البغدادي ، وشعره في مدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور ، وديوانه في ذلك معروف غير منكور ، ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، وسمع الحديث والفقه واللغة ، ويقال : إنه كان يحفظ صحاح الجوهري بكمالها . وصحب الشيخ
علي بن إدريس تلميذ الشيخ
عبد القادر ، وكان ذكيا يتوقد ، ينظم على البديهة سريعا أشياء حسنة فصيحة بليغة ، وقد نظم الكافي للشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين بن قدامة ، ومختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، وأما مدائحه في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال : إنها تبلغ عشرين مجلدا . ولما دخل
التتار إلى
بغداد دعي إلى دار بها فرمان من
هولاكو فأبى أن يجيب إليه ، وأعد في داره حجارة ، فحين دخل عليه
التتار رماهم بتلك الأحجار ، فهشم منهم جماعة ، فلما خلصوا إليه قتل بعكازه أحدهم ، ثم قتلوه شهيدا ، رحمه الله تعالى وأكرم مثواه ، وله من العمر ثمان وستون سنة . وقد أورد له الشيخ
قطب [ ص: 378 ] الدين اليونيني من ديوانه قطعة صالحة في ترجمته في الذيل ، استوعب حروف المعجم كلها ، وذكر قصائد طوالا كثيرة حسنة ، رحمه الله تعالى .
البهاء زهير صاحب الديوان
وهو زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن منصور بن عاصم المهلبي العتكي المصري ، ولد
بمكة ، ونشأ
بقوص ، وأقام
بالقاهرة ، الشاعر المطبق ، الكاتب الجواد في حسن الخط ، له ديوان مشهور ، وقدم على السلطان الصالح
نجم الدين أيوب ، وكان غزير المروءة ، حسن التوسط في إيصال الخير إلى الناس ، ودفع الشر عنهم ، وقد أثنى عليه القاضي
شمس الدين بن خلكان ، وقال : أجاز لي رواية ديوانه ، وقد بسط ترجمته الشيخ
قطب الدين اليونيني .
الحافظ زكي الدين المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد
الإمام العلامة الحافظ
أبو محمد زكي الدين المنذري الشافعي المصري ، وأصله من
الشام ، ولكنه ولد
بمصر ، وكان شيخ الحديث بها مدة طويلة ، إليه الوفادة والرحلة من سنين متطاولة ، وقيل : إنه
[ ص: 379 ] ولد
بالشام سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، وسمع الكثير ، ورحل وطلب وعني بهذا الشأن ، حتى فاق أهل زمانه فيه ، وصنف وخرج ، واختصر صحيح
مسلم ، وسنن
أبي داود ، وهو أحسن اختصارا من الأول ، وله يد طولى في اللغة والفقه والتاريخ ، وكان ثقة حجة متحريا زاهدا ، وتوفي يوم السبت رابع ذي القعدة من هذه السنة بدار الحديث الكاملية
بمصر ، ودفن
بالقرافة ، رحمه الله تعالى .
النور أبو بكر محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن رستم الإسعردي
الشاعر المشهور الخليع ، كان القاضي
صدر الدين بن سني الدولة ، قد أجلسه مع الشهود تحت الساعات ، ثم استدعاه الناصر صاحب البلد ، وجعله من جلسائه وندمائه ، وخلع عليه خلع الأجناد ، فانسلخ من هذا الفن إلى غيره ، وجمع كتابا سماه " الزرجون في الخلاعة والمجون " وذكر فيه أشياء كثيرة من النظم والنثر في الخلاعة ، ومن شعره :
لذة العمر خمسة فاقتنيها من خليع غدا أديبا فقيها
في نديم وقينة وحبيب ومدام وسب من لام فيها
الوزير nindex.php?page=showalam&ids=12824ابن العلقمي الرافضي ، قبحه الله ، محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن أبي طالب ، الوزير مؤيد الدين
أبو طالب بن العلقمي البغدادي [ ص: 380 ] خدم في أيام
المستنصر أستاذ دار الخلافة مدة طويلة ، ثم استوزره
المستعصم ، ولم يكن وزير صدق ، فإنه كان من الفضلاء الأدباء إلا أنه كان رافضيا خبيثا ، رديء الطوية على الإسلام وأهله ، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام
المستعصم ما لم يحصل لكثير ممن قبله من الوزراء ، ثم مالأ على الإسلام وأهله للتتار أصحاب
هولاكوقان ، حتى جاءوا فجاسوا خلال الديار وكان أمرا مفعولا ، ثم حصل له من الإهانة في أيامهم والقلة والذلة وزوال ستر الله ، ما لا يحد ولا يوصف ، رأته امرأة وهو راكب في أيام
التتار برذونا ، وسائق يضرب فرسه ، فوقفت إلى جانبه وقالت : يا
ابن العلقمي ، هكذا كان
بنو العباس يعاملونك؟ فوقعت كلمتها في قلبه ، وانقطع في داره إلى أن مات كمدا في مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة ، وله من العمر ثلاث وستون سنة ، ودفن في قبور
الروافض ، وقد سمع بأذنيه ورأى بعينيه من الإهانة من
التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف ، وتولى بعده ولده الوزارة ، ثم أخذه الله إليه سريعا ، وقد هجاه بعض الشعراء فقال :
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا أسفا على ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه لابن الفرات فصار لابن العلقمي
محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة ، فتح الدين
أبو عبد الله بن العدل
محتسب
دمشق ، كان من الصدور المشكورين ، حسن الطريقة ،
[ ص: 381 ] وجده العدل نجيب الدين
أبو محمد عبد الله بن حيدرة ، وهو واقف المدرسة التي بالزبداني في سنة تسعين وخمسمائة ، تقبل الله منه .
القرطبي صاحب " المفهم في شرح مسلم " :
أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر ، أبو العباس الأنصاري القرطبي المالكي
الفقيه المحدث المدرس
بالإسكندرية ، ولد
بقرطبة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وسمع الكثير هناك ، واختصر الصحيحين ، وشرح صحيح مسلم بكتابه المسمى بالمفهم ، وفيه أشياء حسنة مفيدة محررة ، رحمه الله تعالى .
الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان
أحد مشايخ الشافعية ، أخذ عنه الشيخ
محيي الدين النواوي وغيره ، وكان مدرسا بالرواحية ، وكانت وفاته في ذي القعدة من هذه السنة .
nindex.php?page=showalam&ids=14822العماد داود بن عمر بن يوسف بن يحيى بن عمر بن كامل أبو المعالي وأبو سليمان الزبيدي المقدسي ثم الدمشقي
خطيب
بيت الآبار ، وقد خطب
بدمشق ست سنين بعد انفصال الشيخ
عز الدين بن عبد السلام عنها ، ودرس بالغزالية ، ثم عزل وعاد إلى
بيت الآبار ، فمات بها .
[ ص: 382 ] علي بن محمد بن الحسين ، صدر الدين أبو الحسن بن النيار ، شيخ الشيوخ
ببغداد ، وكان أولا مؤدبا للإمام
المستعصم بالله ، فلما صارت الخلافة إليه نال الشيخ رفعة عظيمة ووجاهة هائلة ، وولاه مشيخة الشيوخ
ببغداد ، وانتظمت إليه أزمة الأمور ، ثم إنه ذبح بدار الخلافة كما تذبح الشاة في هذه السنة ، رحمه الله تعالى .
الشيخ العابد علي الخباز
كان له أصحاب وأتباع
ببغداد ، وله زاوية يزار فيها ، قتلته
التتار ، وألقي على مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام ، حتى أكلت الكلاب من لحمه ، ويقال : إنه أخبر بذلك عن نفسه في حياته ، رحمه الله تعالى .
محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح ، أبو عبد الله المقدسي خطيب
مردا
سمع الكثير ، وعاش تسعين سنة ، ولد في سنة ثلاث وخمسين ، فسمع الناس عليه الكثير
بدمشق ، ثم عاد فمات ببلده في هذه السنة ، رحمه الله .
البدر لؤلؤ صاحب
الموصل الملقب بالملك الرحيم
كانت وفاته في
[ ص: 383 ] شعبان من هذه السنة عن مائة سنة ، وقد ملك
الموصل نحوا من خمسين سنة ، وكان ذا عقل ودهاء ومكر ، لم يزل يعمل على أولاد أستاذه حتى أبادهم ، وزالت
الدولة الأتابكية عن
الموصل ، ولما انفصل
هولاكوقان عن
بغداد بعد الوقعة الفظيعة العظيمة ، سار إلى خدمته متاقيا له ، ومعه الهدايا والتحف ، فأكرمه واحترمه ، ورجع من عنده ، فمكث
بالموصل أياما يسيرة ، ثم مات ، ودفن بمدرسته البدرية ، وتأسف الناس عليه لحسن سيرته وجودة معدلته ، وقد جمع له الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12570عز الدين بن الأثير كتابه المسمى بالكامل في التاريخ فأجازه عليه ، وأحسن إليه ، وكان يعطي لبعض الشعراء ألف دينار ونحوها ، وقد قام في الملك بعده ولده
الصالح إسماعيل .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=15314بدر الدين لؤلؤ هذا أرمنيا اشتراه رجل خياط ، ثم صار إلى الملك
nindex.php?page=showalam&ids=16167نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي آقسنقر الأتابكي صاحب
الموصل ، وكان مليح الصورة فحظي عنده ، وتقدم في دولته إلى أن صارت الكلمة دائرة عليه ، والوفود من سائر جهات ملكهم إليه . ثم إنه أخنى على أولاد أستاذه فقتلهم غيلة واحدا بعد واحد ، إلى أن لم يبق معه أحد منهم ، فاستقل بالملك حينئذ ، وصفت له الأمور وراقت ، وكان يبعث في كل سنة إلى مشهد علي قنديلا زنته ألف دينار ، وقد بلغ من العمر قريبا من تسعين
[ ص: 384 ] سنة ، وكان شابا حسن الشباب ، من نضارة وجهه ، وحسن شكله ، وكانت العامة تلقبه بقضيب الذهب ، وكان ذا همة عالية ، وداهية شديد المكر ، بعيد الغور .
الملك الناصر داود المعظم
ترجمه الشيخ
قطب الدين اليونيني في تذييله على المرآة في هذه السنة ، وبسط ترجمته جدا ، وما جرى له من مبتدأ أمره إلى آخر زمانه ، وأورد من أشعاره وأقواله شيئا كثيرا ، وأفاد أشياء حسنة ، رحمه الله تعالى . وقد ذكرنا ترجمته في الحوادث ، والله أعلم ، وقد ملك بعد أبيه مدينة
دمشق وأعمالها مدة ، ثم تمالأ عليه عماه
الكامل والأشرف وانتزعاها من يده ، وعوضاه منها
الكرك والصلت وعجلون ونابلس ، ثم ذهب ذلك كله من يده وصار إلى
العراق ، فاستودع الخليفة
المستعصم في سنة سبع وأربعين وديعة قيمتها مائة ألف دينار ، فغلها ولم يردها إليه ، وتكرر وفوده إليه وتوسله بالناس في ردها إليه ، فلم يفد من ذلك شيئا ، ومن أحسن مقامات
الناصر دواد; لما حضر الدرس
بالمستنصرية في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، والخليفة حاضر ، فقام الفقيه
وجيه الدين القيراوني فامتدح الخليفة بقصيدة قال في بعضها :
[ ص: 385 ] لو كنت في يوم السقيفة حاضرا كنت المقدم والإمام الأروعا
فقال له
الناصر داود : أخطأت; فقد كان جد أمير المؤمنين
العباس حاضرا يوم السقيفة ، وإنما كان المقدم والإمام الأروعا
أبو بكر الصديق فقال الخليفة : صدق . وخلع عليه ، ونفى
الوجيه القيرواني إلى
مصر ، فدرس في مدرسة الوزير
صفي الدين بن شكر ، وكانت وفاة
الناصر داود بقرية
البويضا مرسما عليه ، وشهد جنازته صاحب
دمشق .