فصل
ولما
حل الركاب النبوي بالمدينة ، كان أول نزوله بها في دار
بني عمرو بن عوف ، وهي
قباء كما تقدم فأقام بها ، أكثر ما قيل ، ثنتين وعشرين ليلة . وقيل : ثماني عشرة ليلة . وقيل : بضع عشرة ليلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ثلاث ليال . والأشهر ما ذكره
ابن إسحاق وغيره ، أنه عليه الصلاة والسلام أقام فيهم
بقباء من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة . وقد أسس في هذه المدة المختلف في مقدارها - على ما ذكرناه -
مسجد قباء . وقد ادعى
السهيلي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسسه في أول يوم قدم إلى
قباء ، وحمل على ذلك قوله تعالى :
[ ص: 517 ] لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ورد قول من أعربها : من تأسيس أول يوم . وهو مسجد شريف فاضل نزل فيه قوله تعالى
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [ التوبة : 108 ] كما تكلمنا على تقرير ذلك في " التفسير " ، وذكرنا الحديث الذي في " صحيح
مسلم " أنه
مسجد المدينة والجواب عنه .
وذكرنا الحديث الذي رواه الإمام
أحمد : حدثنا
حسين بن محمد ، ثنا
أبو أويس ، ثنا
شرحبيل ، عن
عويم بن ساعدة ، أنه حدثه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء ، فقال : " إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ " قالوا : والله يا رسول الله ، ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود ، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في " صحيحه " وله شواهد أخر . وروي عن
خزيمة بن ثابت ،
ومحمد بن [ ص: 518 ] عبد الله بن سلام ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
وقد روى
أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
يونس بن الحارث ، عن
إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
نزلت هذه الآية في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت فيهم هذه الآية ثم قال
الترمذي : غريب من هذا الوجه .
قلت :
ويونس بن الحارث هذا ضعيف . والله أعلم . وممن قال بأنه المسجد الذي أسس على التقوى; ما رواه
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
عروة بن الزبير ، ورواه
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، وحكي عن
الشعبي ، والحسن البصري ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي ، وعبد
الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره فيما بعد ويصلي فيه ، وكان يأتي
قباء كل سبت ، تارة راكبا وتارة ماشيا . وفي الحديث "
صلاة في مسجد قباء كعمرة وقد ورد في حديث " أن
[ ص: 519 ] جبريل عليه السلام ، هو الذي أشار للنبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع قبلة
مسجد قباء . فكان هذا المسجد أول مسجد بني في الإسلام
بالمدينة ، بل أول مسجد جعل لعموم الناس في هذه الملة . واحترزنا بهذا عن المسجد الذي بناه
الصديق بمكة عند باب داره ، يتعبد فيه ويصلي; لأن ذاك كان لخاصة نفسه ، لم يكن للناس عامة . والله أعلم .
وقد تقدم إسلام
سلمان في البشارات
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510245أن سلمان الفارسي لما سمع بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ذهب إليه ، وأخذ معه شيئا ، فوضعه بين يديه وهو بقباء ، قال : هذا صدقة . فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكله ، وأمر أصحابه فأكلوا منه ، ثم جاء مرة أخرى ومعه شيء ، فوضعه وقال : هذه هدية . فأكل منه ، وأمر أصحابه فأكلوا تقدم الحديث بطوله .