وممن توفي فيها من الأعيان :
السلطان
الملك المنصور قلاوون بن عبد الله التركي الصالحي الألفي
اشتراه الملك
الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بألف دينار ، وكان من أكابر الأمراء عنده وبعده ، ولما تزوج
الملك السعيد بن الظاهر بابنته
غازية خاتون ، عظم شأنه جدا عند
الظاهر ، وما زال يرتفع في الدولة حتى صار أتابك
سلامش بن الظاهر ، ثم رفعه من البين واستقل بالملك في سنة ثمان وسبعين ، وكسر
التتار على
حمص في سنة ثمانين ، فأحبه الناس ، وفتح
المرقب في سنة أربع وثمانين ، وفتح
طرابلس سنة ثمان وثمانين ، وعزم على فتح
عكا وبرز لها ، فعالجته المنية في السادس والعشرين من ذي القعدة ، ودفن بتربته بمدرسته الهائلة التي أنشأها بين
[ ص: 627 ] القصرين التي ليس بديار
مصر ولا
بالشام مثلها ، وفيها دار حديث ومارستان ، وعليها أوقاف دارة كثيرة عظيمة ، مات عن قريب من ستين سنة ، وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة سنة ، وكان حسن الصورة مهيبا ، عليه أبهة السلطنة ومهابة الملك ، تام القامة ، حسن اللحية ، عالي الهمة ، شجاعا وقورا ، سامحه الله .
الأمير حسام الدين طرنطاي
نائب السلطنة المنصورية
بمصر ، أخذه
الأشرف فسجنه
بقلعة الجبل ثم قتله ، وبقي ثمانية أيام لا يدرى به ، ثم لف في حصير وألقي على مزبلة ، وحن عليه بعض الناس ، فكفن كآحاد الفقراء بعد النعيم الكثير ، والدنيا المتسعة ، والكلمة النافذة ، وقد أخذ السلطان من حواصله ستمائة ألف دينار وسبعين قنطارا بالمصري فضة ، ومن الجواهر شيئا كثيرا ، سوى الخيل والبغال والجمال والأمتعة والبسط الجياد ، والأسلحة المثمنة ، وغير ذلك من الحواصل والأملاك
بمصر والشام ، وترك ولدين أحدهما أعمى ، وقد دخل هذا الأعمى على
الأشرف ، فوضع المنديل على وجهه وقال : شيء لله . وذكر له أن لهم أياما لا يجدون شيئا يأكلونه ، فرق له وأطلق لهم الأملاك يأكلون من ريعها ، فسبحان الله المتصرف في خلقه بما يشاء ، يعز من يشاء ويذل من يشاء .
الشيخ الإمام العلامة رشيد الدين عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي الشافعي
مدرس
الظاهرية ، توفي بها وقد جاوز التسعين ، وجد مخنوقا في
[ ص: 628 ] المحرم ، ودفن
بالصوفية ، وقد سمع الحديث ، وكان منفردا في فنون من العلوم كثيرة ; منها النحو والأدب وحل المترجم والكتابة والإنشاء وعلم الفلك والنجوم وضرب الرمل والحساب وغير ذلك ، وله نظم حسن .
الخطيب
جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي
توفي بدار الخطابة ، وحضر الناس الصلاة عليه يوم السبت سلخ جمادى الأولى ، وحمل إلى
السفح ، فدفن إلى جانب الشيخ
يوسف الفقاعي .
فخر الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عز القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن
الشيخ الزاهد المتقلل من متاع الدنيا ، توفي في العشرين من رمضان ، وصلي عليه في الجامع ، ودفن بتربة
بني الزكي بقاسيون ، محبة في
nindex.php?page=showalam&ids=12816محيي الدين بن عربي ; فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين ، ومن الحديث ورقتين ، وكان مع هذا يحسن الظن به ، وكان يصلي مع الأئمة كلهم بالجامع ، وقد أخبر عنه بعض العلماء أنه رأى بخطه :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه
وقد صحح على " عينه " ، وإنما الصحيح المروي عمن أنشد هذا الشعر أولا :
تدل على أنه واحد
[ ص: 629 ] وله شعر فمنه :
والنهر قد جن بالغصون هوى فراح في قلبه يمثلها
فغار منه النسيم عاشقها فجاء عن وصله يميلها
وله أيضا :
لما تحقق بالإمكان فوقكم وقد بدا حكمه في عالم الصور
تميز الجمع عنه وهو متحد
فلاح فوقكم في عالم الصور
وله :
لي سادة لا أرى سواهم هم عين معناي عين جوفي
لقد أحاطوا بكل جزء مني وعزوا عن درك طرفي
هم نظروا في عموم فقري وطول ذلي وفرط ضعفي
فعاملوني ببحت جود وصرف بر ومحض لطف
فلا تلم إن جررت ذيلي فخرا بهم أو ثنيت عطفي
وله :
مواهب ذي الجلال لدي تترى فقد أخرسنني ونطقن شكرا
[ ص: 630 ] فنعمى إثر نعمى إثر نعمى وبشرى بعد بشرى بعد بشرى
لها بدء وليس لها انتهاء يعم مزيدها دنيا وأخرى
الحاج
طيبرس بن عبد الله ، علاء الدين الوزيري
صهر
الملك الظاهر ، كان من أكابر الأمراء ذوي الحل والعقد ، وكان دينا كثير الصدقات ، له خان
بدمشق أوقفه ، وله في فكاك الأسرى وغير ذلك ، وأوصى عند موته بثلاثمائة ألف تصرف على الجند
بالشام ومصر ، فحصل لكل جندي خمسون درهما ، وكانت وفاته في ذي الحجة ، ودفن بتربته بسفح المقطم .
قاضي القضاة
نجم الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر المقدسي
توفي ثاني عشر جمادى الآخرة منها ، وحضر جنازته خلق كثير ونائب السلطنة ، ودفن
بقاسيون ، وله أربعون سنة سواء ، وكان فاضلا بارعا خطيبا مدرسا ، درس بأكثر المدارس ، وهو شيخ الحنابلة وابن شيخهم ، وتولى بعده القضاء الشيخ
شرف الدين حسن بن عبد الله بن أبي عمر . والله أعلم .