[ ص: 623 ] ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة
فيها كانت الملك المنصور قلاوون وكان الخليفة وفاة الحاكم العباسي ، ونائب مصر حسام الدين طرنطاي ، ونائب الشام حسام الدين لاجين ، وقضاة الشام شهاب الدين بن الخويي الشافعي ، وحسام الدين الحنفي ، ونجم الدين بن شيخ الجبل الحنبلي ، وجمال الدين الزواوي المالكي .
وجاء البريد بطلب شمس الدين سنقر الأعسر إلى الديار المصرية ، فأكرمه السلطان وقواه ، وشد يده ، وأمره باستخلاص الأموال ، وزاده شد الجيوش ، والكلام على الحصون إلى البيرة وكختا وغير ذلك ، فقويت نفسه وزاد تجبره ، ولكن كان يرجع إلى مروءة وستر ، وينفع من ينتمي إليه ، وذلك مودة في الدنيا في أيام قلائل .
وفي جمادى الآخرة جاء البريد بالكشف على ناصر الدين بن المقدسي وكيل بيت المال وناظر الخاص والأوقاف ، فظهرت عليه مخاز من أكل الأوقاف وغيرها ، فرسم عليه بالعذراوية ، وطولب بتلك الأموال ، وضيق عليه ، [ ص: 624 ] وعمل فيه سيف الدين أبو العباس السامري قصيدة يتشفى فيها لما كان أسدى إليه من الظلم والإيذاء ، مع أنه راح إليه ، وتغمم له وتمازحا هنالك ، ثم جاء البريد بطلبه إلى الديار المصرية ، فخاف النواب من ذهابه إليها وفضوله وشره ، فأصبح يوم الجمعة ثالث شعبان وهو مشنوق بالمدرسة العذراوية ، فطلبت القضاة والشهود ، فشاهدوه كذلك ، ثم جهز وصلي عليه بعد الجمعة ، ودفن بمقابر الصوفية عند أبيه ، وكان مدرسا بالرواحية وتربة أم الصالح مع الوكالتين والنظر .
وجاء البريد بعمل مجانيق لحصار عكا ، فركب الأعسر إلى أراضي بعلبك لما هنالك من الأخشاب العظيمة التي لا يوجد مثلها بدمشق ، وهي تصلح لذلك ، فكثرت الجنايات والجبايات والسخر ، وكلفوا الناس تكليفا كثيرا ، وأخذوا أخشاب الناس ، وحملت إلى دمشق بكلفة عظيمة وشدة كثيرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفاة الملك المنصور قلاوون
بينما الناس في هذا الهم والمصادرات وأمثال ذلك إذ وردت بريدية ، فأخبروا بوفاة الملك المنصور يوم السبت سادس ذي القعدة من هذه السنة ، بالمخيم ظاهر القاهرة ، ثم حمل إلى قلعة الجبل ليلا ، وجلس بعده ولده الملك الأشرف خليل بولاية العهد له ، وحلف له جميع الأمراء ، وخطب له على المنابر ، وركب في أبهة الملك ، والعسكر كلهم في خدمته مشاة من قلعة الجبل إلى الميدان الأسود الذي هو سوق الخيل ، وعلى الأمراء والمقدمين الخلع وعلى القضاة والأعيان ، ولما جاءت الأخبار بذلك حلف [ ص: 625 ] له الأمراء بالشام ، وقبض على حسام الدين طرنطاي نائب أبيه ، وأخذ منه أموالا جزيلة جدا ، فأنفق منها على العسكر .
وفيها دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل عوضا عن ولي خطابة جمال الدين بن عبد الكافي ، وكان ذلك بمساعدة الأعسر ، وتولى نظر الجامع الرئيس وجيه الدين بن المنجا الحنبلي ، عوضا عن ناصر الدين بن المقدسي ، وثمر وقفه وعمره ، وزاد مائة وخمسين ألفا .
وفيها احترقت دار صاحب حماة ، وذلك أنه وقع فيها نار في غيبته ، فلم يتجاسر أحد يدخلها ، فعملت النار فيها يومين ، فاحترقت واحترق كل ما فيها .
وفي شوال درس بتربة أم الصالح بعد ابن المقدسي القاضي إمام الدين القونوي .
وفيها باشر الشرف حسن بن أحمد بن الشيخ أبي عمر قضاء الحنابلة عوضا عن ابن عمه نجم الدين بن شيخ الجبل ، عن مرسوم الملك المنصور قبل وفاته .
وحج بالناس في هذه السنة من الشام الأمير بدر الدين بكتوت الزوباسي ، وحج قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي ، وشمس الدين بن السلعوس ، ومقدم الركب الأمير عتبة ، فتوهم منه أبو نمي ، وكان بينهما عداوة ، فأغلق أبواب مكة ، ومنع الناس من دخولها ، فأحرق الباب ، وقتل جماعة ، ونهبت بعض الأماكن ، وجرت خطوب فظيعة ، ثم أرسلوا القاضي ابن [ ص: 626 ] الخويي ليصلح بين الفريقين ، ولما استقر عند أبي نمي رحيل الركوب وبقي هو في الحرم وحده ، أرسل معه أبو نمي من ألحقه بهم سالما معظما . وجاء الخبر بموت المنصور إلى الناس وهم بعرفات ، وهذا شيء عجيب ، وجاء كتاب يستحث الوزير ابن السلعوس في المسير إلى الديار المصرية ، وبين الأسطر بخط الملك الأشرف : يا شقير ، يا وجه الخير ، احضر لتتسلم الوزارة . فساق إلى القاهرة ، فوصلها يوم الثلاثاء عاشر المحرم ، فتسلم الوزارة كما قال السلطان .