[ ص: 657 ] ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة
في تاريخ
ظهير الدين الكازروني : ظهرت نار بأرض
المدينة النبوية في هذه السنة ، نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها ، إلا أن هذه النار كان يعلو لهيبها كثيرا ، وكانت تحرق الصخر ، ولا تحرق السعف ، واستمرت ثلاثة أيام .
استهلت هذه السنة والدولة المذكورون هم الذين كانوا في التي قبلها .
وفي جمادى الآخرة قدم
الأشرف دمشق ، فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر ، وجهز الجيوش ، وتهيأ لغزو بلاد
سيس ، وقدم في غبون ذلك رسل صاحب
بلاد سيس يطلبون الصلح ، فشفع الأمراء فيهم ، فسلموا
بهسنا وتل حمدون ومرعش ، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها ، وهي في فم
الدربند .
ثم ركب السلطان في ثاني رجب نحو
سلمية بأكثر الجيش ، صورة أنه يريد أن يصيب الأمير
حسام الدين لاجين ، فأضافه الأمير
مهنا بن عيسى ، فلما
[ ص: 658 ] انقضت الضيافة أمسك له
حسام الدين لاجين ، وكان عنده ، فجاءه به ، فسجنه في قلعة
دمشق وأمسك
مهنا بن عيسى ، وولى مكانه
محمد بن علي بن حذيفة ، ثم أرسل السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى
الديار المصرية صحبة نائبه
بيدرا ، ووزيره
ابن السلعوس ، وتأخر هو في خاصكيته ، ثم لحقهم .
وفي المحرم منها
حكم القاضي حسام الدين الرازي الحنفي بالتشريك بين العلويين والجعفرين في الدباغة التي كانوا يتنازعونها من مدة مائتي سنة ، وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم بدار العدل ، ولم يوافقه
ابن الخويي ولا غيره ، وحكم للأعناكيين بصحة نسبهم إلى
جعفر الطيار .
وفيها رسم
الأشرف بتخريب قلعة
الشوبك فهدمت ، وكانت من أحصن القلاع وأمنعها وأنفعها ، وإنما خربها عن رأي
عتبة العقبي ، ولم ينصح للسلطان فيها ولا للمسلمين; لأنها كانت شجا في حلوق الأعراب الذين هناك .
وفيها أرسل السلطان الأمير
علم الدين الدواداري إلى صاحب
القسطنطينية وإلى أولاد
بركة ، ومع الرسول تحف كثيرة جدا ، فلم يتفق خروجه حتى قتل السلطان ، فعاد إلى
دمشق .
وفي عاشر جمادى الأولى درس القاضي
إمام الدين القزويني بالظاهرية البرانية ، وحضر عنده القضاة والأعيان .
[ ص: 659 ] وفي الثاني والعشرين من ذي الحجة يوم الاثنين طهر الملك
الأشرف أخاه الملك
الناصر محمدا وابن أخيه الملك المعظم
مظفر الدين موسى بن الصالح علي بن المنصور ، وعمل مهم عظيم ، ولعب
الأشرف بالقبق ، وتمت لهم فرحة هائلة ، كانت كالوداع لسلطنته من الدنيا .
وفي أول المحرم درس الشيخ
شمس الدين بن غانم بالعصرونية ، وفي مستهل صفر درس الشيخ
كمال الدين بن الزملكاني بالرواحية عوضا عن
نجم الدين بن مكي; بحكم انتقاله إلى
حلب وإعراضه عن المدرسة المذكورة .
ودخل الركب الشامي في خامس صفر ، وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ
تقي الدين ابن تيمية رحمه الله ، وكان أميرهم
الباسطي ، ونالهم في
معان ريح شديدة جدا مات بسببها جماعة ، وحملت الريح جمالا عن أماكنها ، وطارت العمائم عن الرءوس ، واشتغل كل أحد بنفسه .
وفي صفر منها وقع
بدمشق برد عظيم أفسد شيئا كثيرا من المغلات ، بحيث أبيع القمح كل عشر أواق بدرهم ، ومات شيء كثير من الدواب ، وفيه زلزلت ناحية
الكرك ، وسقط من قلعتها أماكن كثيرة .