[ ص: 80 ] ذكر سلطنة
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
لما استقر
الملك الناصر بالكرك ، وعزم على الإقامة بها ، كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة ، فأثبت ذلك على القضاة
بمصر ، ثم نفذ على قضاة
الشام ، وبويع
الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر بدار
الأمير سيف الدين سلار ، اجتمع بها أعيان الدولة من الأمراء وغيرهم ، وبايعوه ، وخاطبوه
بالملك المظفر ، ثم ركب إلى
القلعة ، ومشوا بين يديه ، وجلس على سرير المملكة
بالقلعة ، ودقت البشائر ، وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان . وفي مستهل ذي القعدة وصل
الأمير عز الدين البغدادي إلى
دمشق ، فاجتمع بنائب السلطنة ، والقضاة ، والأمراء ، والأعيان ،
بالقصر الأبلق ، فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى
مصر ، وأنه قد نزل عن الملك ، وأعرض عنه ، فأثبته القضاة ، وامتنع الحنبلي من إثباته ، وقال : ليس أحد يترك الملك مختارا ، ولولا أنه مضطهد ما تركه ، فعزل ، وأقيم غيره ، ثم استحلفهم
للسلطان الملك المظفر ، وكتبت العلامة على القلعة ، وألقابه على محال المملكة ، ودقت البشائر ، وزين البلد ، ولما قرئ كتاب السلطان على الأمراء بالقصر ، وفيه : إني قد صحبت الناس عشر سنين ، ثم اخترت المقام
بالكرك - تباكى جماعة من الأمراء ، ثم بايعوا كالمكرهين ، وتولى مكان
بيبرس الأمير سيف الدين برلغي ، ومكان
برلغي سيف الدين بتخاص ، ومكان
بتخاص جمال الدين آقوش نائب
الكرك ، وخطب
للمظفر يوم الجمعة على المنابر
بدمشق وغيرها ، وحضر نائب السلطنة
[ ص: 81 ] الأفرم ، والقضاة في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرأ تقليد النائب كاتب السر
القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الأمراء ، وعليهم الخلع كلهم ، وركب
الملك المظفر بالخلعة السوداء الخليفتية والعمامة المدورة ، والدولة بين يديه عليهم الخلع ، يوم السبت سابع ذي القعدة
، والصاحب ضياء الدين النشائي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود ، وأوله :
إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] ويقال : إنه خلع في
القاهرة قريب ألف خلعة ومائتي خلعة ، وكان يوما مشهودا ، وفرح بنفسه أياما يسيرة ، وكذا شيخه
المنبجي ، ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا .
وفيها خطب
ابن جماعة بالقلعة ، وباشر
الشيخ علاء الدين القونوي تدريس الشريفية .