وممن توفي فيها من الأعيان :
ابن المطهر الشيعي جمال الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مطهر الحلي العراقي الشيعي ، شيخ
الروافض بتلك النواحي ، وله التصانيف الكثيرة ، يقال : تزيد على مائة وعشرين مجلدا ، وعدتها خمسة وخمسون مصنفا ، في الفقه ، والنحو ، والأصول ، والفلسفة ، والرفض ، وغير ذلك من كبار وصغار ؛ فمن أشهرها بين الطلبة " شرح
مختصر ابن الحاجب " في أصول الفقه ، وليس بذاك الفائق ، ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة " المحصول " و " الأحكام " ، ولا بأس بها فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجه جيد ، وله كتاب " منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة " خبط فيه في المعقول والمنقول ، ولم يدر كيف يتوجه ، إذ خرج عن الاستقامة ، وقد انتدب للرد عليه في ذلك الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام
أبو العباس ابن تيمية في مجلدات ، أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة ، وهو كتاب حافل .
ولد
ابن المطهر - الذي لم تطهر خلائقه ، ولم يتطهر من دنس
[ ص: 272 ] الرفض - في ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة ، وتوفي ليلة الجمعة عشرين المحرم من هذه السنة ، وكان اشتغاله
ببغداد وغيرها من البلاد ، واشتغل على
النصير الطوسي وعلى غيره ، ولما ترفض الملك
خربندا ، حظي عنده
ابن المطهر وساد جدا ، وأقطعه بلادا كثيرة .
الشمس الكاتب محمد بن أسد الحراني ، المعروف
بالنجار ، كان يجلس ليكتب الناس عليه بالمدرسة القليجية ، توفي في ربيع الآخر ، ودفن
بباب الصغير .
العز حسن بن أحمد بن زفر الإربلي ثم الدمشقي ، كان يعرف طرفا صالحا من النحو ، والحديث ، والتاريخ ، وكان مقيما
بدويرة حمد صوفيا بها ، وكان حسن المجالسة ، أثنى عليه
البرزالي في نقله وحسن معرفته ، مات
بالمارستان الصغير في جمادى الآخرة ، ودفن
بباب الصغير عن ثلاث وستين سنة .
الشيخ الإمام
أمين الدين سالم بن أبي الدر عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الشافعي ، مدرس الشامية الجوانية ، أخذها من
ابن الوكيل قهرا ، وهو إمام
مسجد ابن هشام ، ومحدث الكرسي به ، كان مولده في سنة خمس وأربعين وستمائة ، واشتغل ، وحصل ، وأثنى عليه
النووي وغيره ، وأعاد ، وأفتى ،
[ ص: 273 ] ودرس ، وكان خبيرا بالمحاكمات ، وكان فيه مروءة وعصبية لمن يقصده ، توفي في شعبان ، ودفن
بباب الصغير .
الشيخ
حماد ، وهو الشيخ الصالح العابد الزاهد
، حماد الحلبي القطان ، كان كثير التلاوة والصلاة ، مواظبا على الإقامة بجامع التوبة
بالعقيبة بالزاوية الغربية الشمالية ، يقرئ القرآن ، ويكثر الصيام ، ويتردد الناس إليه للزيارة ، مات وقد جاوز التسعين سنة ، على هذا القدم توفي ليلة الاثنين عشرين شعبان ، ودفن
بباب الصغير ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله .
الشيخ قطب الدين اليونيني ، وهو الشيخ الإمام العالم بقية السلف ، قطب الدين
أبو الفتح موسى بن الشيخ الفقيه الحافظ الكبير شيخ الإسلام
أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد البعلبكي اليونيني الحنبلي ، ولد سنة أربعين وستمائة
بدار الفاضل بدمشق ، وسمع الكثير ، وأحضره والده إلى المشايخ ، واستجاز له ، وبحث ، واختصر " مرآة الزمان " للسبط ، وذيل عليها ذيلا حسنا مرتبا ، أفاد فيه وأجاد ، بعبارة حسنة سهلة ، بإنصاف وستر ، وأتى فيه بأشياء حسنة ، وأشياء فائقة رائقة ، وكان كثير التلاوة ، حسن الهيئة ، متقللا في ملبسه ومأكله ، توفي ليلة الخميس ثالث
[ ص: 274 ] عشر شوال ، ودفن
بباب سطحا عند أخيه الشيخ
شرف الدين ، رحمهما الله .
قاضي القضاة ابن مسلم ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الصالحي الحنبلي ، ولد سنة ستين وستمائة ، ومات أبوه - وكان من الصالحين - سنة ثمان وستين فنشأ يتيما فقيرا لا مال له ، ثم اشتغل ، وحصل ، وسمع الكثير ، وانتصب للإفادة والاشتغال ، فطار ذكره ، فلما مات التقي
سليمان سنة خمس عشرة ولي قضاء الحنابلة ، فباشره أتم مباشرة ، وخرجت له تخاريج كثيرة ، فلما كانت هذه السنة خرج للحج فتمرض في الطريق ، فورد
المدينة النبوية - على ساكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام - يوم الاثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة ، فزار قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى في مسجده ، وكان بالأشواق إلى ذلك ، وكان قد تمنى ذلك لما مات
ابن نجيح ودفن في
البقيع ، فمات في عشية ذلك اليوم ليلة الثلاثاء ، وصلي عليه في
مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالروضة ، ودفن
بالبقيع إلى جانب قبر
شرف الدين بن نجيح - الذي كان قد غبطه بموته هناك سنة حج هو ، وهو قبل هذه الحجة - شرقي قبر
عقيل ، رحمهم الله ، وولي القضاء بعده
عز الدين بن التقي سليمان .
القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي
[ ص: 275 ] الشافعي ، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ، واشتغل على الشيخ
تاج الدين الفزاري ، وحصل وبرع ، وولي الإعادة ، ثم الحكم
بالقدس ، ثم عاد إلى
دمشق فدرس
بالنجيبية ، وناب في الحكم عن
ابن صصرى مدة ، توفي
بالنجيبية المذكورة يوم الأحد ثامن عشرين ذي القعدة ، وصلي عليه العصر بالجامع ، ودفن
بباب الصغير .
ابن قاضي شهبة ، الشيخ الإمام العالم ، شيخ الطلبة ومفيدهم
، كمال الدين أبو محمد عبد الوهاب بن القاضي شرف الدين محمد بن عبد الوهاب بن ذؤيب الأسدي الشهبي الشافعي ، ولد
بحوران في سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وقدم
دمشق ، واشتغل على الشيخ
تاج الدين الفزاري ولازمه ، وانتفع به ، وأعاد بحلقته ، وتخرج به ، وكذلك لازم أخاه الشيخ
شرف الدين ، وأخذ عنه النحو واللغة ، وكان بارعا في الفقه والنحو ، له حلقة يشتغل فيها تجاه محراب الحنابلة ، وكان يعتكف جميع شهر رمضان ، ولم يتزوج قط ، وكان حسن الهيئة والشيبة ، حسن العيش والملبس ، متقللا من الدنيا ، له معلوم يقوم بكفايته من إعادات وفقاهات وتصدير بالجامع ، ولم يدرس قط ولا أفتى ، مع أنه كان ممن يصلح أن يأذن في الإفتاء ، ولكنه كان يتورع عن ذلك ، وقد سمع الكثير ، وسمع " المسند " للإمام
أحمد ، وغير ذلك ، وتوفي بالمدرسة المجاهدية - وبها كانت إقامته - ليلة الثلاثاء حادي عشرين ذي الحجة ، وصلي عليه بعد صلاة الظهر ، ودفن بمقابر
باب الصغير ، رحمه الله تعالى .
[ ص: 276 ] وفيها كانت وفاة الشرف يعقوب بن فارس الجعبري ، التاجر بفرجة ابن عمود ، وكان يحفظ القرآن ، ويؤم بمسجد القصب ، ويصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية والقاضي نجم الدين الدمشقي ، وقد حصل أموالا وأملاكا وثروة ، وهو والد صاحبنا الفقيه المشتغل المحصل الزكي بدر الدين محمد خال الولد عمر إن شاء الله .
وفيها توفي الحاج
أبو بكر بن تيمراز الصيرفي ، كانت له أموال كثيرة ، ودائرة ومكارم ، وبر وصدقات ، ولكنه انكسر في آخر عمره ، وعمر ، وكاد أن ينكشف ، فجبره الله بالوفاة ، رحمه الله .