[ ص: 265 ] ثم دخلت
nindex.php?page=treesubj&link=33800سنة ست وعشرين وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، سوى كاتب السر
بدمشق شهاب الدين محمود ، فإنه توفي ، وولي المنصب من بعده ولده
الصدر شمس الدين .
وفيها تحول التجار في قماش النساء المخيط من الدهشة التي للجامع إلى دهشة
سوق علي .
وفي يوم الأحد ثامن المحرم باشر مشيخة الحديث الظاهرية الشيخ
شهاب الدين بن جهبل ، بعد وفاة العفيف
إسحاق ، وترك تدريس الصلاحية
بالقدس الشريف ، واختار
دمشق ، وحضر عنده القضاة والأعيان .
وفي أولها فتح الحمام الذي بناه الأمير
سيف الدين جوبان جوار داره ، بالقرب من دار الجالق ، وله بابان ، أحدهما إلى ناحية
مسجد الوزير ، وحصل به نفع .
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من صفر قدم الصاحب
غبريال من
مصر على البريد ، متوليا نظر الدواوين
بدمشق على عادته ، وانفصل عنها الكريم الصغير ، وفرح الناس به .
[ ص: 266 ] وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الأول بكرة النهار ضربت عنق
ناصر ابن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي بسوق الخيل ، على كفره ، واستهانته ، واستهتاره بآيات الله ، وصحبته الزنادقة
كالنجم بن خلكان ، والشمس
محمد الباجربقي ، وابن المعمار البغدادي ، وكل منهم فيه انحلال وزندقة مشهور بها بين الناس .
قال الشيخ
علم الدين البرزالي : وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الإسلام ، والاستهانة بالنبوة والقرآن . قال : وحضر قتله العلماء ، والأكابر ، وأعيان الدولة . قال : وكان هذا الرجل قد حفظ " التنبيه " في أول أمره ، وكان يقرأ في الختم بصوت حسن ، وعنده نباهة وفهم ، وكان منزلا في المدارس والترب ، ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه ، وكان قتله عزا للإسلام ، وذلا للزنادقة وأهل البدع .
قلت : وقد شهدت قتله ، كان شيخنا العلامة
أبو العباس ابن تيمية حاضرا يومئذ ، وقد أتاه وقرعه على ما كان يصدر منه قبل قتله ، ثم ضربت عنقه ، وأنا مشاهد ذلك .
وفي شهر ربيع الأول رسم بإخراج الكلاب من مدينة
دمشق ، فجعلوا في الخندق ظاهر
باب الصغير من ناحية باب شرقي ، الذكور على حدة ، والإناث على حدة ، وألزم أصحاب الدكاكين بذلك ، وشددوا في أمرهم أياما .
[ ص: 267 ] وفي ربيع الآخر ولي الشيخ
علاء الدين المقدسي معيد البادرائية مشيخة الصلاحية
بالقدس الشريف ، وسافر إليها .
وفي جمادى الآخرة عزل
قرطاي عن نيابة
طرابلس ، ووليها
طينال ، وقدم
قرطاي على خبز القرماني
بدمشق ، بحكم سجن
القرماني بقلعة
دمشق .
قال
البرزالي : وفي يوم الاثنين بعد العصر السادس من شعبان اعتقل الشيخ الإمام العالم العلامة
تقي الدين ابن تيمية بقلعة
دمشق ، حضر إليه من جهة نائب السلطنة تنكز مشد الأوقاف
، وابن الخطير أحد الحجاب
بدمشق ، وأخبراه أن مرسوم السلطان ورد بذلك ، وأحضرا معهما مركوبا ليركبه ، فأظهر السرور والفرح بذلك ، وقال : أنا كنت منتظرا لذلك ، وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة . وركبوا جميعا من داره إلى باب القلعة ، وأخليت له قاعة ، وأجري إليها الماء ، ورسم له بالإقامة فيها ، وأقام معه أخوه
زين الدين يخدمه بإذن السلطان ، ورسم له ما يقوم بكفايته .
قال
البرزالي : وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع
دمشق الكتاب السلطاني الوارد باعتقاله ومنعه من الفتيا ، وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في المنع من السفر وإعمال المطي إلى زيارة قبور الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وقبور الصالحين .
[ ص: 268 ] قال : وفي يوم الأربعاء منتصف شعبان أمر قاضي القضاة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بحبس جماعة من أصحاب الشيخ
تقي الدين في سجن الحكم ، وذلك بمرسوم نائب السلطنة ، وإذنه له فيه فيما تقتضيه الشريعة في أمرهم ، وعزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم ، ثم أطلقوا سوى
شمس الدين محمد بن قيم الجوزية ، فإنه حبس في القلعة ، وسكنت القضية .
قال : وفي أول رمضان وصلت الأخبار إلى
دمشق أنه أجريت عين ماء إلى
مكة ، شرفها الله ، وانتفع الناس بها انتفاعا كثيرا ، وهذه العين تعرف قديما بعين باذان ، أجراها جوبان من بلاد بعيدة حتى دخلت إلى نفس
مكة ، ووصلت إلى عند
الصفا وباب إبراهيم ، واستقى الناس منها ، فقيرهم وغنيهم ، وضعيفهم وشريفهم ، كلهم فيها سواء ، وارتفق
أهل مكة بذلك رفقا كثيرا ، ولله الحمد والمنة . وكانوا قد شرعوا في حفرها وتجديدها في أوائل هذه السنة إلى العشر الأخر من جمادى الأولى ، واتفق أن في هذه السنة كانت الآبار التي في
مكة قد يبست وقل ماؤها ، وقل ماء
زمزم أيضا ، فلولا أن الله تعالى لطف بالناس بإجراء هذه القناة لنزح عن
مكة أهلها ، أو لهلك كثير ممن يقيم بها ، وأما الحجيج في أيام الموسم فحصل لهم بها رفق عظيم زائد عن الوصف ، كما شاهدنا ذلك في سنة إحدى وثلاثين عام حججنا .
وجاء كتاب السلطان إلى نائبه
بمكة بإخراج الزيديين من
المسجد الحرام ، وأن لا يكون لهم فيه إمام ولا مجتمع ، ففعل ذلك .
[ ص: 269 ] وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان درس بالشامية الجوانية
شهاب الدين أحمد بن جهبل ، وحضر عنده
القزويني القاضي الشافعي وجماعة ، عوضا عن الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدر إمام
مسجد ابن هشام ، توفي ، ثم بعد أيام جاء توقيع بولاية القاضي الشافعي ، فباشرها في عشرين رمضان .
وفي عاشر شوال خرج الركب الشامي ، وأميره
سيف الدين جوبان ، وحج عامئذ القاضي
شمس الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ،
وبدر الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني ، ومعه تحف وهدايا وأمور تتعلق بالأمير
سيف الدين أرغون نائب
مصر ، فإنه حج في هذه السنة ، ومعه أولاده وزوجته بنت السلطان ، وحج
فخر الدين ابن شيخ السلامية ،
وصدر الدين المالكي ،
وفخر الدين البعلبكي ، وغيرهم .
وفي يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة درس بالحنبلية
برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي ، عوضا عن شيخ الإسلام
ابن تيمية ، وحضر عنده القاضي الشافعي ، وجماعة من الفقهاء ، وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ
تقي الدين ، وكان
ابن الخطير الحاجب قد دخل على الشيخ
تقي الدين قبل هذا بيوم ، فاجتمع به وسأله عن أشياء بأمر نائب السلطنة ، ثم يوم الخميس دخل إليه
القاضي جمال الدين بن جملة ،
وناصر الدين مشد [ ص: 270 ] الأوقاف ، وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة ، فكتب ذلك في درج ، وكتب تحته قاضي الشافعية
بدمشق : قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط
ابن تيمية فصح . . . إلى أن قال : وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم - معصية بالإجماع مقطوعا . فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع
nindex.php?page=treesubj&link=2317زيارة قبور الأنبياء والصالحين ، وإنما فيه ذكر قولين في
nindex.php?page=treesubj&link=17918شد الرحال والسفر إلى مجرد زيارة القبور ،
nindex.php?page=treesubj&link=2317وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة ، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى ، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل ، بل يستحبها ويندب إليها ، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة على هذا الوجه في الفتيا ، ولا قال : إنها معصية ، ولا حكى الإجماع على المنع منها ، ولا هو جاهل بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512785زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة .
والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ، ولا تخفى عليه خافية :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [ الشعراء : 227 ] .
وفي يوم الأحد رابع عشر القعدة فتحت المدرسة الحمصية تجاه الشامية الجوانية ، ودرس بها
محيي الدين الطرابلسي ، وكان قاضي
حصن عكار ، ويلقب
بأبي رباح ، وحضر عنده القاضي الشافعي .
وفي ذي القعدة سافر القاضي
جمال الدين الزرعي من
الأتابكية إلى
مصر ، [ ص: 271 ] ونزل عن تدريسها
لمحيي الدين بن جهبل . وفي ثاني عشر ذي الحجة درس
بالنجيبية ابن قاضي الزبداني عوضا عن الدمشقي نائب الحكم مات بالمدرسة المذكورة .
[ ص: 265 ] ثُمَّ دَخَلَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=33800سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، سِوَى كَاتِبِ السِّرِّ
بِدِمَشْقَ شِهَابِ الدِّينِ مَحْمُودٍ ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ ، وَوَلِيَ الْمَنْصِبَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ
الصَّدْرُ شَمْسُ الدِّينِ .
وَفِيهَا تَحَوَّلَ التُّجَّارُ فِي قُمَاشِ النِّسَاءِ الْمَخِيطِ مِنَ الدَّهْشَةِ الَّتِي لِلْجَامِعِ إِلَى دَهْشَةِ
سُوقِ عَلِيٍّ .
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَامِنِ الْمُحَرَّمِ بَاشَرَ مَشْيَخَةَ الْحَدِيثِ الظَّاهِرِيَّةَ الشَّيْخُ
شِهَابُ الدِّينِ بْنُ جَهْبَلٍ ، بَعْدَ وَفَاةِ الْعَفِيفِ
إِسْحَاقَ ، وَتَرَكَ تَدْرِيسَ الصَّلَاحِيَّةِ
بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ ، وَاخْتَارَ
دِمَشْقَ ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ .
وَفِي أَوَّلِهَا فُتِحَ الْحَمَّامُ الَّذِي بَنَاهُ الْأَمِيرُ
سَيْفُ الدِّينِ جُوبَانُ جِوَارَ دَارِهِ ، بِالْقُرْبِ مِنْ دَارِ الْجَالِقِ ، وَلَهُ بَابَانِ ، أَحَدُهُمَا إِلَى نَاحِيَةِ
مَسْجِدِ الْوَزِيرِ ، وَحَصَلَ بِهِ نَفْعٌ .
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ قَدِمَ الصَّاحِبُ
غِبْرِيَالُ مِنْ
مِصْرَ عَلَى الْبَرِيدِ ، مُتَوَلِّيًا نَظَرَ الدَّوَاوِينِ
بِدِمَشْقَ عَلَى عَادَتِهِ ، وَانْفَصَلَ عَنْهَا الْكَرِيمُ الصَّغِيرُ ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ .
[ ص: 266 ] وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ حَادِي عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بُكْرَةَ النَّهَارِ ضُرِبَتْ عُنُقُ
نَاصِرِ ابْنِ الشَّرَفِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْهِيتِيِّ بِسُوقِ الْخَيْلِ ، عَلَى كُفْرِهِ ، وَاسْتِهَانَتِهِ ، وَاسْتِهْتَارِهِ بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَصُحْبَتِهِ الزَّنَادِقَةِ
كَالنَّجْمِ بْنِ خَلِّكَانَ ، وَالشَّمْسِ
مُحَمَّدٍ الْبَاجُرْبَقِيِّ ، وَابْنِ الْمِعْمَارِ الْبَغْدَادِيِّ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ فِيهِ انْحِلَالٌ وَزَنْدَقَةٌ مَشْهُورٌ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ .
قَالَ الشَّيْخُ
عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ : وَرُبَّمَا زَادَ هَذَا الْمَذْكُورُ الْمَضْرُوبُ الْعُنُقِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّلَاعُبِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ . قَالَ : وَحَضَرَ قَتْلَهُ الْعُلَمَاءُ ، وَالْأَكَابِرُ ، وَأَعْيَانُ الدَّوْلَةِ . قَالَ : وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ حَفِظَ " التَّنْبِيهَ " فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْخِتَمِ بِصَوْتٍ حَسَنٍ ، وَعِنْدَهُ نَبَاهَةٌ وَفَهْمٌ ، وَكَانَ مُنَزَّلًا فِي الْمَدَارِسِ وَالتُّرَبِ ، ثُمَّ إِنَّهُ انْسَلَخَ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ ، وَكَانَ قَتْلُهُ عِزًّا لِلْإِسْلَامِ ، وَذُلًّا لِلزَّنَادِقَةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ .
قُلْتُ : وَقَدْ شَهِدْتُ قَتْلَهُ ، كَانَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ
أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ حَاضِرًا يَوْمَئِذٍ ، وَقَدْ أَتَاهُ وَقَرَّعَهُ عَلَى مَا كَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ قَبْلَ قَتْلِهِ ، ثُمَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ ، وَأَنَا مُشَاهِدٌ ذَلِكَ .
وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ رُسِمَ بِإِخْرَاجِ الْكِلَابِ مِنْ مَدِينَةِ
دِمَشْقَ ، فَجُعِلُوا فِي الْخَنْدَقِ ظَاهِرَ
بَابِ الصَّغِيرِ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ شَرْقِيٍّ ، الذُّكُورُ عَلَى حِدَةٍ ، وَالْإِنَاثُ عَلَى حِدَةٍ ، وَأُلْزِمَ أَصْحَابُ الدَّكَاكِينِ بِذَلِكَ ، وَشَدَّدُوا فِي أَمْرِهِمْ أَيَّامًا .
[ ص: 267 ] وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ وَلِيَ الشَّيْخُ
عَلَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ مُعِيدُ الْبَادَرَائِيَّةِ مَشْيَخَةَ الصَّلَاحِيَّةِ
بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ ، وَسَافَرَ إِلَيْهَا .
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عُزِلَ
قَرَطَايْ عَنْ نِيَابَةِ
طَرَابُلُسَ ، وَوَلِيَهَا
طِينَالُ ، وَقَدِمَ
قَرَطَايْ عَلَى خُبْزِ الْقَرَمَانِيِّ
بِدِمَشْقَ ، بِحُكْمِ سَجْنِ
الْقَرَمَانِيِّ بِقَلْعَةِ
دِمَشْقَ .
قَالَ
الْبِرْزَالِيُّ : وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ السَّادِسِ مِنْ شَعْبَانَ اعْتُقِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ
تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِقَلْعَةِ
دِمَشْقَ ، حَضَرَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزَ مُشِدُّ الْأَوْقَافِ
، وَابْنُ الْخَطِيرِ أَحَدُ الْحُجَّابِ
بِدِمَشْقَ ، وَأَخْبَرَاهُ أَنَّ مَرْسُومَ السُّلْطَانِ وَرَدَ بِذَلِكَ ، وَأَحْضَرَا مَعَهُمَا مَرْكُوبًا لِيَرْكَبَهُ ، فَأَظْهَرَ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ بِذَلِكَ ، وَقَالَ : أَنَا كُنْتُ مُنْتَظِرًا لِذَلِكَ ، وَهَذَا فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَمَصْلَحَةٌ كَبِيرَةٌ . وَرَكِبُوا جَمِيعًا مِنْ دَارِهِ إِلَى بَابِ الْقَلْعَةِ ، وَأُخْلِيَتْ لَهُ قَاعَةٌ ، وَأُجْرِيَ إِلَيْهَا الْمَاءُ ، وَرُسِمَ لَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهَا ، وَأَقَامَ مَعَهُ أَخُوهُ
زَيْنُ الدِّينِ يَخْدُمُهُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ ، وَرُسِمَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ .
قَالَ
الْبِرْزَالِيُّ : وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَاشِرِ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ قُرِئَ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ الْكِتَابُ السُّلْطَانِيُّ الْوَارِدُ بِاعْتِقَالِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْفُتْيَا ، وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ سَبَبُهَا فُتْيَا وُجِدَتْ بِخَطِّهِ فِي الْمَنْعِ مِنَ السَّفَرِ وَإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إِلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقُبُورِ الصَّالِحِينَ .
[ ص: 268 ] قَالَ : وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ أَمَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِحَبْسِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ
تَقِيِّ الدِّينِ فِي سِجْنِ الْحُكْمِ ، وَذَلِكَ بِمَرْسُومِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ ، وَإِذْنِهِ لَهُ فِيهِ فِيمَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ فِي أَمْرِهِمْ ، وَعُزِّرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى دَوَابَّ وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ أُطْلِقُوا سِوَى
شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ ، فَإِنَّهُ حُبِسَ فِي الْقَلْعَةِ ، وَسَكَنَتِ الْقَضِيَّةُ .
قَالَ : وَفِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَصَلَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى
دِمَشْقَ أَنَّهُ أُجْرِيَتْ عَيْنُ مَاءٍ إِلَى
مَكَّةَ ، شَرَّفَهَا اللَّهُ ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهَا انْتِفَاعًا كَثِيرًا ، وَهَذِهِ الْعَيْنُ تُعْرَفُ قَدِيمًا بِعَيْنِ بَاذَانَ ، أَجْرَاهَا جُوبَانُ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ حَتَّى دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِ
مَكَّةَ ، وَوَصَلَتْ إِلَى عِنْدِ
الصَّفَا وَبَابِ إِبْرَاهِيمَ ، وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْهَا ، فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ ، وَضَعِيفُهُمْ وَشَرِيفُهُمْ ، كُلُّهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ ، وَارْتَفَقَ
أَهْلُ مَكَّةَ بِذَلِكَ رِفْقًا كَثِيرًا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَكَانُوا قَدْ شَرَعُوا فِي حَفْرِهَا وَتَجْدِيدِهَا فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى الْعَشْرِ الْأُخِرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى ، وَاتَّفَقَ أَنَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الْآبَارُ الَّتِي فِي
مَكَّةَ قَدْ يَبِسَتْ وَقَلَّ مَاؤُهَا ، وَقَلَّ مَاءُ
زَمْزَمَ أَيْضًا ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَطَفَ بِالنَّاسِ بِإِجْرَاءِ هَذِهِ الْقَنَاةِ لَنَزَحَ عَنْ
مَكَّةَ أَهْلُهَا ، أَوْ لَهَلَكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُقِيمُ بِهَا ، وَأَمَّا الْحَجِيجُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَحَصَلَ لَهُمْ بِهَا رِفْقٌ عَظِيمٌ زَائِدٌ عَنِ الْوَصْفِ ، كَمَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ عَامَ حَجَجْنَا .
وَجَاءَ كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى نَائِبِهِ
بِمَكَّةَ بِإِخْرَاجِ الزَّيْدِيِّينَ مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ إِمَامٌ وَلَا مُجْتَمَعٌ ، فَفُعِلَ ذَلِكَ .
[ ص: 269 ] وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ رَابِعِ شَعْبَانَ دَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ
شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ جَهْبَلٍ ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ
الْقَزْوِينِيُّ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ أَمِينِ الدِّينِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الدُّرِّ إِمَامِ
مَسْجِدِ ابْنِ هِشَامٍ ، تُوُفِّيَ ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ تَوْقِيعٌ بِوِلَايَةِ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ ، فَبَاشَرَهَا فِي عِشْرِينَ رَمَضَانَ .
وَفِي عَاشِرِ شَوَّالٍ خَرَجَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ ، وَأَمِيرُهُ
سَيْفُ الدِّينِ جُوبَانُ ، وَحَجَّ عَامَئِذٍ الْقَاضِي
شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُسَلَّمٍ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ ،
وَبَدْرُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالِ الدِّينِ الْقَزْوِينِيِّ ، وَمَعَهُ تُحَفٌ وَهَدَايَا وَأُمُورٌ تَتَعَلَّقُ بِالْأَمِيرِ
سَيْفِ الدِّينِ أَرْغُوَنَ نَائِبِ
مِصْرَ ، فَإِنَّهُ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، وَمَعَهُ أَوْلَادُهُ وَزَوْجَتُهُ بِنْتُ السُّلْطَانِ ، وَحَجَّ
فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ ،
وَصَدْرُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ ،
وَفَخْرُ الدِّينِ الْبَعْلَبَكِّيُّ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ عَاشِرِ ذِي الْقَعْدَةِ دَرَّسَ بِالْحَنْبَلِيَّةِ
بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ الزُّرَعِيُّ الْحَنْبَلِيُّ ، عِوَضًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ
ابْنِ تَيْمِيَّةَ ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ
تَقِيِّ الدِّينِ ، وَكَانَ
ابْنُ الْخَطِيرِ الْحَاجِبُ قَدْ دَخَلَ عَلَى الشَّيْخِ
تَقِيِّ الدِّينِ قَبْلَ هَذَا بِيَوْمٍ ، فَاجْتَمَعَ بِهِ وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ بِأَمْرِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ ، ثُمَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ دَخَلَ إِلَيْهِ
الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ جُمْلَةَ ،
وَنَاصِرُ الدِّينِ مُشِدُّ [ ص: 270 ] الْأَوْقَافِ ، وَسَأَلَاهُ عَنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ ، فَكَتَبَ ذَلِكَ فِي دَرَجٍ ، وَكَتَبَ تَحْتَهُ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ
بِدِمَشْقَ : قَابَلْتُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ الْمَكْتُوبِ عَلَى خَطِّ
ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَصَحَّ . . . إِلَى أَنْ قَالَ : وَإِنَّمَا الْمَحَزُّ جَعَلُهُ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - مَعْصِيَةً بِالْإِجْمَاعِ مَقْطُوعًا . فَانْظُرِ الْآنَ هَذَا التَّحْرِيفَ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ جَوَابَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ
nindex.php?page=treesubj&link=2317زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ قَوْلَيْنِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=17918شَدِّ الرِّحَالِ وَالسَّفَرِ إِلَى مُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=2317وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ مِنْ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ إِلَيْهَا مَسْأَلَةٌ ، وَشَدُّ الرَّحْلِ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ، وَالشَّيْخُ لَمْ يَمْنَعِ الزِّيَارَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ شَدِّ رَحْلٍ ، بَلْ يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إِلَيْهَا ، وَكُتُبُهُ وَمَنَاسِكُهُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى هَذِهِ الزِّيَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْفُتْيَا ، وَلَا قَالَ : إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ ، وَلَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا ، وَلَا هُوَ جَاهِلٌ بِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512785زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [ الشُّعَرَاءِ : 227 ] .
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ رَابِعَ عَشَرَ الْقَعْدَةِ فُتِحَتِ الْمَدْرَسَةُ الْحِمْصِيَّةُ تُجَاهَ الشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ ، وَدَرَّسَ بِهَا
مُحْيِي الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ ، وَكَانَ قَاضِيَ
حِصْنِ عَكَّارَ ، وَيُلَقَّبُ
بِأَبِي رَبَاحٍ ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ .
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ سَافَرَ الْقَاضِي
جَمَالُ الدِّينِ الزُّرَعِيُّ مِنَ
الْأَتَابِكِيَّةِ إِلَى
مِصْرَ ، [ ص: 271 ] وَنَزَلَ عَنْ تَدْرِيسِهَا
لِمُحْيِي الدِّينِ بْنِ جَهْبَلٍ . وَفِي ثَانِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ دَرَّسَ
بالنَّجِيبِيَّةِ ابْنُ قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ عِوَضًا عَنِ الدِّمَشْقِيِّ نَائِبِ الْحُكْمِ مَاتَ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ .