[ ص: 332 ] ثم دخلت
سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، وقد ذكرنا ما كان من عبيد
مكة إلى الحجاج ، وأنه قتل من المصريين أميران ، فلما بلغ الخبر السلطان عظم عليه ذلك ، وامتنع من الأكل على السماط - فيما يقال - أياما ، ثم جرد ستمائة فارس ، وقيل : ألفا ، والأول أصح ، وأرسل إلى
الشام أن يجرد مقدم آخر ، فجرد الأمير
سيف الدين ألجيبغا العادلي ، وخرج من
دمشق يوم دخلها الركب في سادس عشرين المحرم ، وأمر أن يسير إلى
أيلة ليجتمع مع المصريين ، وأن يسيروا جميعا إلى
الحجاز .
وفي يوم الأربعاء تاسع صفر وصل
نهر الساجور إلى مدينة
حلب ، وخرج نائب
حلب أرغون ، ومعه الأمراء مشاة إليه في تهليل وتكبير وتحميد ، يلتقون هذا النهر ، ولم يمكن أحدا من المغاني ولا غيرهم أن يتكلم بغير ذكر الله تعالى ، وفرح الناس بوصوله إليهم فرحا شديدا ، وكانوا قد سعوا في تخليصه من أماكن بعيدة احتاجوا فيها إلى نقب بعض الجبال ، وفيها صخور ضخام صم ، وعقدوا له قناطر على الأودية ، وما وصل إلا بعد جهد جهيد ، وأمر شديد ، فلله الحمد وحده لا شريك له . وحين رجع نائب
حلب أرغون مرض مرضا شديدا ومات ، رحمه الله .
[ ص: 333 ] وفي سابع عشر صفر وسع
تنكز الطرقات
بالشام ظاهر
باب الجابية ، وخرب كل ما يضيق الطرقات .
وفي ثاني ربيع الأول لبس
علاء الدين بن القلانسي خلعة سنية ، لمباشرة نظر ديوان ملك الأمراء ، وديوان نظر المارستان ، عوضا عن
أمين الدين بن العسال ، ورجع
ابن العسال إلى حجابة الديوان الكبير .
وفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول لبس
عماد الدين بن الشيرازي خلعة نظر الأموي عوضا عن
ابن مراجل; عزل عنه لا إلى بدل ، وباشر
جمال الدين بن الفويره نظر الأسرى بدلا عن
ابن الشيرازي .
وفي يوم الخميس آخر ربيع الأول لبس القاضي
شرف الدين عبد الله بن شرف الدين حسن ابن الحافظ أبي موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني المقدسي - خلعة قضاء الحنابلة ، عوضا عن
عز الدين بن التقي سليمان ، توفي رحمه الله ، وركب من دار السعادة إلى الجامع ، فقرئ تقليده تحت النسر بحضرة القضاة والأعيان ، ثم ذهب إلى الجوزية فحكم بها ، ثم إلى الصالحية وهو لابس الخلعة ، واستناب يومئذ ابن أخيه
التقي عبد الله بن شهاب الدين أحمد .
[ ص: 334 ] وفي سلخ ربيع الآخر اجتاز الأمير
علاء الدين ألطنبغا بدمشق وهو ذاهب إلى بلاد
حلب نائبا عليها ، عوضا عن
أرغون - توفي إلى رحمة الله - وقد تلقاه الناس والجيش .
وفي مستهل جمادى الأولى حضر الأمير
الشريف رميثة بن أبي نمي إلى
مكة ، فقرئ تقليده بإمرة
مكة من جهة السلطان صحبة التجريدة ، وخلع عليه ، وبايعه الأمراء المجردون من
مصر والشام داخل
الكعبة ، وقد كان وصول التجاريد إلى
مكة في سابع ربيع الأول ، فأقاموا
بباب المعلى ، وحصل لهم خير كثير من الصلاة والطواف ، وكانت الأسعار رخيصة معهم .
وفي يوم السبت سادس جمادى الآخرة ، خلع على القاضي
عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بوكالة السلطان ، ونظر جامع
طولون ، ونظر الناصرية ، وهنأه الناس - عوضا عن
التاج أبي إسحاق عبد الوهاب ، توفي ودفن
بالقرافة . وفي هذا الشهر تولى
عماد الدين ابن قاضي القضاة الأخنائي تدريس الصارمية وهو صغير ، بعد وفاة
النجم هاشم بن عبد الله البعلبكي الشافعي ، وحضرها في رجب ، وحضر عنده الناس خدمة لأبيه .
وفي حادي عشرين جمادى الآخرة رجعت التجريدة من
الحجاز صحبة
[ ص: 335 ] الأمير
سيف الدين ألجيبغا ، وكانت غيبتهم خمسة أشهر وأياما ، وأقاموا
بمكة شهرا واحدا ويوما واحدا ، وحصل للعرب منهم رعب شديد وخوف أكيد ، وعزلوا عن
مكة عطيفة ، وولوا أخاه
رميثة ، وصلوا وطافوا واعتمروا ، ومنهم من أقام هناك ليحج .
وفي ثاني رجب خلع على
ابن أبي الطيب بنظر ديوان بيت المال عوضا عن ابن السابق ، توفي .
وفي أوائل شعبان حصل
بدمشق هواء شديد مزعج ، كسر كثيرا من الأشجار والأغصان ، وألقى بعض الجدران والحيطان ، وسكن بعد ساعة بإذن الله ، فلما كان يوم تاسعه سقط برد كبار مقدار بيض الحمام ، وكسر بعض جامات الحمام . وفي شهر شعبان هذا خطب بالمدرسة المعزية على شاطئ
النيل ، أنشأها الأمير
سيف الدين طقزدمر أمير مجلس الناصري ، وكان الخطيب بها
عز الدين عبد الرحيم بن الفرات الحنفي .
وفي نصف رمضان قدم الشيخ
تاج الدين عمر بن علي بن سالم اللخمي ابن الفاكهاني المالكي ، نزل عند القاضي الشافعي ، وسمع عليه شيئا من مصنفاته ، وخرج إلى الحج عامئذ مع الشاميين ، وزار
القدس قبل وصوله إلى
دمشق .
[ ص: 336 ] وفي هذا الشهر وطئ سوق الخيل ، وركبت فيه حصباء كثيرة ، وعمل فيه نحو من أربعمائة نفس في أربعة أيام حتى ساووه وأصلحوه ، وقد كان قبل ذلك يكون فيه مياه كثيرة وملقات . وفيه أصلح سوق الدقيق ظاهر
باب الجابية إلى الثابتية ، وسقف عليه السقوف .
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال ، وأميره
عز الدين أيبك أمير علم ، وقاضيه
شهاب الدين الظاهري . وممن حج فيه
شهاب الدين بن جهبل ، وابن أبي اليسر ، وابن جملة ، والفخر المصري ، والصدر المالكي ، وشرف الدين الكفري الحنفي ، والبهاء بن إمام المشهد ، وجلال الدين الأعيالي ناظر الأيتام ،
nindex.php?page=showalam&ids=15073وشمس الدين الكردي ، وفخر الدين البعلبكي ، ومجد الدين بن أبي المجد ، وشمس الدين بن قيم الجوزية ،
وشمس الدين ابن خطيب يبرود ، وشرف الدين قاسم العجلوني ، وتاج الدين بن الفاكهاني ، والشيخ عمر السلامي ، وكاتبه
إسماعيل بن كثير ، وآخرون من سائر المذاهب ، حتى كان الشيخ
بدر الدين يقول : اجتمع في ركبنا هذا أربعمائة فقيه ، وأربع مدارس ، وخانقاه ، ودار حديث . وقد كان معنا من المفتين ثلاثة عشر نفسا ،
[ ص: 337 ] وكان في المصريين جماعة من الفقهاء ، منهم; قاضي المالكية
تقي الدين الأخنائي ، وفخر الدين النويري ، وشمس الدين بن الحارثي ، ومجد الدين الأقصرائي شيخ الشيوخ ، والشيخ
محمد المرشدي ، وفي ركب
العراق الشيخ
أسد المراوحي وكان من المشاهير ، وفي الشاميين الشيخ
علي الواسطي صحبة
ابن التركماني ، وأمير المصريين
مغلطاي الجمالي الذي كان وزيرا في وقت ، وكان إذ ذاك مريضا . ومررنا
بعين تبوك وقد أصلحت في هذه السنة ، وصينت من دوس الجمال والجمالين ، وصار ماؤها في غاية الحسن والصفاء والطيب ، وكانت الوقفة يوم الجمعة ، ومطرنا بالطواف ، وكانت سنة مرخصة آمنة .
وفي نصف ذي الحجة رجع
تنكز من ناحية
قلعة جعبر ، وكان في خدمته أكثر الجيش الشامي من الأمراء والمقدمين الكبار والصغار ، وأظهر أبهة عظيمة في تلك النواحي .
وفي سادس عشرين ذي الحجة وصل توقيع القاضي
علاء الدين بن القلانسي بجميع جهات أخيه
جمال الدين ، بحكم وفاته ، مضافا إلى جهاته ، فاجتمع له من المناصب الكبار ما لم يجتمع لغيره من الرؤساء في هذه الأعصار ، فمن ذلك وكالة بيت المال ، وقضاء العسكر ، وكتابة الدست ، ووكالة ملك الأمراء ، ونظر المارستان ، ونظر الحرمين ، ونظر ديوان السعيد ، وتدريس الأمينية ، والظاهرية ، والعصرونية ، وغير ذلك .