[ ص: 666 ] ثم دخلت
سنة أربع وستين وسبعمائة
استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية ، والشامية ، والحجازية ، وما يتبع ذلك من الأقاليم والرساتيق - الملك المنصور
صلاح الدين محمد ابن الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ، ومدبر الممالك بين يديه ، وأتابك العساكر الأمير
سيف الدين يلبغا ، وقضاة
مصر هم المذكورون في التي قبلها ، غير أن
ابن جماعة قاضي الشافعية ،
وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف . ونائب
دمشق الأمير سيف الدين
قشتمر المنصوري ، وقاضي القضاة الشافعية الشيخ
بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وأخوه قاضي القضاة
تاج الدين مقيم
بمصر ، وقاضي قضاة الحنفية الشيخ
جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري; آثره والده بالمنصب ، وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ، وينجمع على العبادة . وقاضي قضاة المالكية
جمال الدين المسلاتي ، وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ
جمال الدين المرداوي ، ووكيل بيت المال الشيخ
صلاح الدين الصفدي ، وخطيب البلد الشيخ
جمال الدين محمود بن جملة ، ومحتسب البلد الشيخ
عماد الدين [ ص: 667 ] ابن الشيرجي ، وكاتب السر
جمال الدين عبد الله بن الأثير ، قدم من الديار المصرية عوضا عن
ناصر الدين بن يعقوب ، وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية ، وناظر الدواوين
بدر الدين حسن بن النابلسي ، وناظر الخزانة القاضي
تقي الدين بن أبي الطيب ، وناظر الجيش
علم الدين داود ، وناظر الجامع
تقي الدين بن مراجل ، ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر ، وكان وقع مطر شديد قبل أيام ، فتلف منه غلات كثيرة بحوران ، وغيرها ، ومشاطيخ زبيب ، وغير ذلك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الآخرة ، وقبل دقة القلعة - دخل فارس من ناحية
باب الفرج إلى ناحية باب
القلعة الجوانية ، ومن ناحية الباب المذكور سلسلة ، ومن ناحية
باب النصر أخرى ، جددتا لئلا يمر راكب على باب
القلعة المنصورة ، فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها ، ثم مر على الأخرى فقطعها ، وخرج من
باب النصر ، ولم يعرف; لأنه ملثم .
وفي حادي عشر صفر ، وقبله بيوم ، قدم البريد من الديار المصرية بطلب
الأمير زين الدين زبالة - أحد أمراء الألوف - إلى الديار المصرية مكرما ، وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم ، وجاء البريد أيضا ومعه التواقيع التي كانت بأيدي
[ ص: 668 ] ناس كثير ، زيادات على الجامع ردت إليهم ، وأقروا على ما بأيديهم من ذلك ، وكان ناظر الجامع الصاحب
تقي الدين بن مراجل قد سعى في رفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام
صرغتمش ، فلم يف ذلك ، وتوجه الشيخ
بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة
الشام الشافعي من
دمشق إلى الديار المصرية يوم الأحد سادس عشر صفر من هذه السنة ، وخرج القضاة ، والأعيان لتوديعه ، وقد كان أخبرنا عند توديعه بأن أخاه قاضي القضاة
تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية وهو متوجه إلى
الشام عند وصوله إلى ديار
مصر ، وهذا مسرور جدا بذهابه إلى
مصر ، وذكر لنا أن أخاه كاره للشام . وأنشدني القاضي
صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه ، فيما عكس على
المتنبي في يديه من قصيدته ، وهو قوله :
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأيسر ما يمر به الوحول
، وقال :
دخول دمشق يكسبنا نحولا كأن لها دخولا في البرايا
إذا اعتاد الغريب الخوض فيها فأيسر ما يمر به المنايا
[ ص: 669 ] وهذا شعر قوي ، وعكس جلي لفظا ومعنى .
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالبيمارستان الدقاقي جوار الجامع; بسبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيا باللبن حتى قناطره الأربع بالحجارة البلق ، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة ، وفتق في قبلته إيوانا حسنا زاد في أعماقه أضعاف ما كان ، وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح ، وجددت فيه خزائن ، ومصالح ، وفرش ، ولحف جدد ، وأشياء حسنة فأثابه الله ، وأحسن جزاءه ، آمين .
وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخاص والعوام ، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات ، وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة ، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر المذكور .
وفي أول ربيع الآخر قدم قاضي القضاة
تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء
الشام ، عودا على بدء ، يوم الثلاثاء رابع عشره ، فبدأ بالسلام على نائب السلطنة
بدار السعادة ، ثم ذهب إلى دار الأمير علي بالقصاعين ، فسلم عليه ، ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال ، وجاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ، ويهنئونه بالعود ، وهو يتودد ويترحب بهم ، ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ، ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والأعيان ، وهنأه الناس ، والشعراء ، والمداح .
[ ص: 670 ] وأخبر قاضي القضاة
تاج الدين بموت
حسين ابن الملك الناصر ، ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه ، ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة; لما كان فيه من حدة ، وارتكاب أمور منكرة .
وأخبر بموت القاضي
فخر الدين سليمان ابن القاضي فخر الدين سليمان ابن القاضي عماد الدين بن الشيرجي ، وكان قد اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة
دمشق عوضا عن أبيه; نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه ، وخلع عليه بالديار المصرية ، ولم يبق إلا أن يركب على البريد ، فتمرض يوما ، وثانيا ، وتوفي إلى رحمة الله تعالى ، فتألم والده بسبب ذلك تألما عظيما ، وعزاه الناس فيه ، ووجدته صابرا محتسبا باكيا مسترجعا متوجعا .