[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة ست عشرة
استهلت هذه السنة
nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص منازل
مدينة بهرسير ، وهي إحدى مدينتي كسرى مما يلي
دجلة من الغرب ، وكان قدوم
سعد إليها في ذي الحجة من سنة خمس عشرة ، واستهلت هذه السنة وهو نازل عندها ، وقد بعث السرايا والخيول في كل وجه ، فلم يجدوا واحدا من الجند ، بل جمعوا من الفلاحين مائة الف ، فحبسوا حتى كتب إلى
عمر ما يفعل بهم ، فكتب إليه
عمر : إن من كان من الفلاحين لم يعن عليكم ، وهو مقيم ببلده ، فهو أمانه ، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به . فأطلقهم
سعد بعد ما دعاهم إلى الإسلام ، فأبوا إلا الجزية ، ولم يبق من غربي
دجلة إلى أرض العرب أحد من الفلاحين إلا تحت الجزية والخراج .
وامتنعت
بهرسير من
سعد أشد الامتناع ، وقد بعث إليهم
سعد سلمان [ ص: 6 ] الفارسي فدعاهم إلى الله ، عز وجل ، أو الجزية أو المقاتلة ، فأبوا إلا المقاتلة والعصيان ، ونصبوا المجانيق والدبابات ، وأمر
سعد بعمل المجانيق ، فعملت عشرون منجنيقا ، ونصبت على
بهرسير ، واشتد الحصار وكان أهل
بهرسير يخرجون فيقاتلون قتالا شديدا ، ويحلفون أن لا يفروا أبدا ، فأكذبهم الله ، وهزمهم
زهرة بن حوية بعد ما أصابه سهم ، وقتل بعد مصابه به كثيرا من
الفرس ، وفروا بين يديه ، ولجئوا إلى بلدهم ، فكانوا يحاصرون فيه أشد الحصار ، وقد انحصر أهل البلد حتى أكلوا الكلاب والسنانير . وقد أشرف رجل منهم على المسلمين فقال : يقول لكم الملك : هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من
دجلة إلى جبلنا ولكم ما يليكم من
دجلة إلى جبلكم ، أما شبعتم ! لا أشبع الله بطونكم . قال : فبدر الناس رجل ، يقال له :
أبو مفزر الأسود بن قطبة ، فأنطقه الله بكلام لم يدر ما قال لهم ، قال : فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون من
بهرسير إلى
المدائن . فقال الناس
لأبي مفزر : ما قلت لهم ؟ فقال : والذي بعث
محمدا بالحق ما أدري ما قلت لهم ، إلا أن علي سكينة ، وأنا
[ ص: 7 ] أرجو أن أكون قد أنطقت بالذي هو خير . وجعل الناس ينتابونه ، يسألونه عن ذلك ، وكان في من سأله
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وجاءه
سعد إلى منزله فقال : يا
أبا مفرز ما قلت ؟ فوالله إنهم هراب . فحلف له أنه لا يدري ما قال .
فنادى
سعد في الناس ونهد بهم إلى البلد ، والمجانيق تضرب في البلد ، فنادى رجل من البلد بالأمان فآمناه ، فقال : والله ما بالبلد أحد . فتسور الناس السور ، فما وجدنا فيها أحدا إلا قد هربوا إلى
المدائن . وذلك في شهر صفر من هذه السنة . فسألنا ذلك الرجل وأناسا من الأسارى فيها لأي شيء هربوا ؟ قالوا : بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح ، فأجابه ذلك الرجل بأنه لا يكون بينكم وبينهم صلح أبدا ، حتى نأكل عسل
أفرندين بأترج
كوثى . فقال الملك : يا ويلاه ، إن الملائكة لتتكلم على ألسنتهم ، ترد علينا وتجيبنا عن العرب . ثم أمر الناس بالرحيل من هناك إلى
المدائن فجازوا في السفن منها إليها ، وبينهما
دجلة ، وهي قريبة منها جدا .
[ ص: 8 ] ولما دخل المسلمون
بهرسير في الليل ، لاح لهم القصر الأبيض من
المدائن وهو قصر الملك الذي ذكره رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه سيفتحه الله على أمته ، وذلك قريب الصباح ، فكان
أول من رآه من المسلمين ضرار بن الخطاب ، فقال : الله أكبر ، أبيض
كسرى ، هذا ما وعدنا الله ورسوله . ونظر الناس إليه فتابعوا التكبير إلى الصبح .