صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان

خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة ، كان قد أصابه سباء في الجاهلية فاشترته أم أنمار الخزاعية ، التي كانت تختن النساء ، وهي أم سباع بن عبد العزى الذي قتله حمزة يوم أحد . حالف خباب بني زهرة .

أسلم خباب قديما قبل دار الأرقم ، وكان ممن يؤذى في الله ، عز وجل فيصبر [ ص: 648 ] ويحتسب ، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد . قال الشعبي : دخل خباب يوما على عمر فأكرم مجلسه ، وقال : ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال . فقال : يا أمير المؤمنين إن بلالا كان يؤذى وكان له من يمنعه ، وإني كنت لا ناصر لي ، والله لقد سلقوني يوما في نار أججوها ووضع رجل منهم رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ، ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص ، رضي الله عنه . ولما مرض دخل عليه ناس من الصحابة يعودونه ، فقالوا : أبشر غدا تلقى الأحبة ; محمدا وحزبه . فقال : والله إخواني مضوا لم يأكلوا من أجرهم شيئا ، وإنا قد أينعت لنا ثمرتها فنحن نهدبها ، يعني الدنيا فهذا الذي يهمني . قالوا : وتوفي بالكوفة في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة ، وهو أول من دفن بظاهر الكوفة ، رضي الله عنه .

خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري ، ذو الشهادتين ، وكانت راية بني خطمة معه يوم الفتح ، وشهد صفين مع علي ، وقتل يومئذ ، رضي الله عنه .

سفينة مولى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قد قدمنا ترجمته في الموالي المنسوبين إلى [ ص: 649 ] النبي صلوات الله وسلامه عليه .

عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم : أسلم عام الفتح وكتب بين يدي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم مع كتاب الوحي .

عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، قتل يوم صفين ، وكان أمير ميمنة علي فأخذها بعده الأشتر .

عبد الله بن خباب بن الأرت ، ولد في زمن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكان موصوفا بالخير ، قتله الخوارج ، كما قدمنا بالنهروان في هذه السنة ، فلما جاء علي قال لهم : أعطونا قتلته ثم أنتم آمنون . فقالوا : كلنا قتله . فقتلهم .

عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أحد كتاب الوحي ، أسلم قديما وكتب الوحي ، ثم ارتد عن الإسلام ، ثم عاد إلى الإسلام عام الفتح ، واستأمن له عثمان بن عفان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، - وكان أخاه لأمه - وحسن إسلامه ، وقد ولاه عثمان نيابة مصر بعد عمرو بن العاص ، فغزا إفريقية وبلاد النوبة ، وفتح الأندلس ، وغزا ذات الصواري مع الروم في البحر ، فقتل منهم ما صبغ وجه الماء من الدماء ، [ ص: 650 ] ثم لما حصر عثمان تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة ، وأخرجه من مصر ، فمات في هذه السنة وهو معتزل عليا ومعاوية في صلاة الفجر بين التسليمتين ، رضي الله عنه .

عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي

من عبس اليمن ، وهو حليف بني مخزوم ، أسلم قديما وكان ممن يعذب في الله هو وأبوه وأمه سمية ، ويقال : إنه أول من اتخذ مسجدا في بيته يتعبد فيه . وقد شهد بدرا وما بعدها . وقد قدمنا كيفية مقتله يوم صفين ، وكان مع علي ، وأخبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه تقتله الفئة الباغية .

وروى الترمذي من حديث الحسن ، عن أنس أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة ; علي وعمار وسلمان .

وروى الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن علي أن عمارا استأذن على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا بالطيب المطيب .

وقال إبراهيم بن الحسين : حدثنا يحيى ، حدثني نصر ، ثنا سفيان [ ص: 651 ] الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي عمار ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن رجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لقد ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه .

وحدثنا يحيى بن معلى ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : ما من أحد من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أشاء أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر ، فإنه حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيمانا .

وحدثنا يحيى ، ثنا عمرو بن عون ، أنا هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة قال : أتيت أهل الشام فلقيت خالد بن الوليد فحدثني ، قال : كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام في شيء ، فشكاني إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا خالد لا تؤذ عمارا ; فإنه من يبغض عمارا يبغضه الله ، ومن يعاد عمارا يعاده الله قال : فعرضت له بعد ذلك فسللت ما في [ ص: 652 ] نفسه . وله أحاديث كثيرة في فضائله ، رضي الله عنه .

قتل عمار يوم صفين عن إحدى وقيل : ثلاث . وقيل : أربع وتسعين سنة . طعنه أبو الغادية فسقط ، ثم أكب عليه رجل فاحتز رأسه ، ثم اختصما إلى معاوية أيهما قتله . فقال لهما عمرو بن العاص : اتئدا فوالله إنكما لتختصمان في النار . فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك . فقال له عمرو : والله إنك لتعلم ذلك ، ولوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة .

قال الواقدي : حدثني الحسن بن الحسين بن عمارة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم أن عليا صلى عليه ، ولم يغسله ، وصلى معه على هاشم بن عتبة ، فكان عمار مما يلي عليا ، وهاشم إلى نحو القبلة . قالوا : وقبر هنالك . وكان آدم اللون ، طويلا ، بعيد ما بين المنكبين ، أشهل العينين ، رجلا لا يغير شيبه ، رضي الله عنه .

الربيع بنت معوذ بن عفراء ، أسلمت قديما وكانت تخرج مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الغزوات فتداوي الجرحى ، وتسقي الماء للكلمى وغيرهم ، وروت [ ص: 653 ] أحاديث كثيرة .

وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير ; فقيل : قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا . وقيل : قتل من أهل العراق أربعون ألفا من مائة وعشرين ألفا ، وقتل من أهل الشام عشرون ألفا من ستين ألفا . وبالجملة فقد كان في قتلى الفريقين أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم . وفيما ذكرنا كفاية . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية