[ ص: 135 ]
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية
قال
ابن جرير : فيها
سلم الحسن بن علي الأمر لمعاوية بن أبى سفيان . ثم روى عن
الزهري أنه قال : لما بايع
أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم : إنكم سامعون مطيعون ، مسالمون من سالمت ، محاربون من حاربت . فارتاب به
أهل العراق وقالوا : ما هذا لكم بصاحب . فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه ، فازداد لهم بغضا ، وازداد منهم ذعرا ، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه ، وكتب إلى
معاوية يسالمه ويراسله في الصلح بينه وبينه على ما يختاران .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الصلح : حدثنا
عبد الله بن محمد ، ثنا
سفيان ، عن
أبى موسى قال : سمعت
الحسن يقول : استقبل والله
الحسن بن علي معاوية بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال ، فقال
عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها . فقال
معاوية ، وكان والله خير الرجلين : أي
عمرو ، إن قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لي بأمور الناس ؟ من لي بضيعتهم ؟ من لي بنسائهم ؟ فبعث إليه رجلين من
قريش من
بنى [ ص: 136 ] عبد شمس ;
عبد الرحمن بن سمرة nindex.php?page=showalam&ids=4891وعبد الله بن عامر ، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه ، وقولا له ، واطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما ، وقالا له ، وطلبا إليه ، فقال لهما
الحسن بن علي : إنا
بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال ، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . قالا : فإنه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب إليك ويسألك . قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به . فما سألهما شيئا إلا قالا : نحن لك به . فصالحه . قال
الحسن : ولقد سمعت
أبا بكرة يقول :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ، ويقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : إنما ثبت عندنا سماع
الحسن من
أبي بكرة بهذا الحديث .
قلت : وقد روى هذا الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الفتن ، عن
علي بن عبد الله ، وهو
ابن المديني ، وفي فضائل
الحسن ، عن
صدقة بن الفضل ، ثلاثتهم عن
سفيان . ورواه
أحمد عن
سفيان ، وهو
ابن عيينة ، عن
إسرائيل بن موسى البصري به . ورواه أيضا في دلائل النبوة عن
عبد الله بن محمد ، وهو
ابن أبي شيبة ويحيى بن آدم ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=14129حسين بن علي الجعفي ، عن
إسرائيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وهو البصري ، به . وأخرجه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
حماد بن زيد ، عن
علي بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري به . ورواه
أبو داود أيضا
[ ص: 137 ] nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من طريق
أشعث ، عن
الحسن به ، وقال
الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عوف الأعرابي وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري مرسلا .
وقال
أحمد : حدثنا
عبد الرزاق ، أنا
معمر ، أخبرني من سمع الحسن يحدث عن
أبي بكرة قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا يوما nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن بن علي في حجره ، فيقبل على أصحابه فيحدثهم ، ثم يقبل على الحسن فيقبله ، ثم قال : " إن ابني هذا سيد ، إن يعش يصلح بين طائفتين من المسلمين " . قال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر : كذا رواه
معمر ، ولم يسم الذي حدثه به عن
الحسن ، وقد رواه جماعة عن
الحسن ، منهم ;
أبو موسى إسرائيل ،
nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17154ومنصور بن زاذان ،
nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17240وهشام بن حسان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12318وأشعث بن سوار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16874والمبارك بن فضالة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد القدري . ثم شرع
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في تطريق هذه الروايات كلها ، فأفاد وأجاد .
قلت : والظاهر أن
معمرا رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد فلم يفصح باسمه ، وقد رواه
محمد بن إسحاق بن يسار عنه وسماه . ورواه
أحمد ، عن
هاشم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
الحسن ، عن أبي بكرة ، فذكر الحديث . قال
الحسن : فوالله والله بعد أن ولي لم يهرق في خلافته ملء محجمة من دم .
[ ص: 138 ] قال شيخنا
أبو الحجاج المزي في " أطرافه " : وقد رواه بعضهم عن
الحسن ، عن
أم سلمة .
وقد روي هذا الحديث من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري ، رضي الله عنه ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين : ثنا
يحيى بن سعيد الأموي ، عن
الأعمش عن
أبي سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للحسن " إن ابني هذا سيد ، يصلح الله به بين فئتين من المسلمين " . وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13538عبد الرحمن بن مغراء ، عن
الأعمش به .
وقد رواه غيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ; فقال
أبو يعلى : ثنا
أبو بكر ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، ثنا
محمد بن صالح التمار المدني ، ثنا
مسلم بن أبي مريم ، عن
سعيد بن أبي سعيد المدني قال : كنا مع
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، إذ جاء
الحسن بن علي فسلم فرددنا عليه ، ولم يعلم به
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ومضى ، فقلنا : يا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ، هذا
الحسن بن علي قد سلم علينا . قال : فتبعه فلحقه ، وقال : وعليك السلام يا سيدي . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512500سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنه سيد " .
[ ص: 139 ] وقال
أبو الحسن علي بن محمد المدائني : كان تسليم
الحسن الأمر
لمعاوية في الخامس من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين . وقال غيره : في ربيع الآخر . ويقال : في غرة جمادى الأولى . فالله أعلم . قال : وحينئذ دخل
معاوية إلى
الكوفة فخطب الناس بها بعد البيعة .
وذكر
ابن جرير أن
عمرو بن العاص أشار على
معاوية أن يأمر
الحسن بن علي أن يخطب الناس ويعلمهم بنزوله عن الأمر
لمعاوية ، فأمر
معاوية الحسن ، فقام في الناس خطيبا ، فقال في خطبته بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم : أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإن لهذا الأمر مدة ، والدنيا دول ، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم
وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين [ الأنبياء : 111 ] . فلما قالها غضب
معاوية وأمره بالجلوس ، وعتب على
عمرو بن العاص في إشارته بذلك ، ولم يزل في نفسه منه لذلك . والله أعلم .
فأما الحديث الذي رواه
الترمذي في " جامعه " : حدثنا
محمود بن غيلان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14941القاسم بن الفضل الحداني ، عن
يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى
الحسن بن علي بعد ما بايع
معاوية فقال : سودت وجوه المؤمنين - أو : يا مسود وجوه المؤمنين - فقال : لا تؤنبني رحمك الله ; فإن
[ ص: 140 ] النبي صلى الله عليه وسلم أري
بني أمية على منبره ، فساءه ذلك فنزلت
إنا أعطيناك الكوثر يا محمد . يعني نهرا في الجنة ، ونزلت
إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر يملكها بعدك
بنو أمية يا
محمد . قال
القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقص . ثم قال
الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث
القاسم بن الفضل ، وهو ثقة ، وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان وابن مهدي . قال : وشيخه
يوسف بن سعد - ويقال :
يوسف بن مازن - رجل مجهول . قال : ولا يعرف هذا الحديث بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه . فإنه حديث غريب بل منكر جدا ، وقد تكلمنا عليه في كتاب " التفسير " بما فيه كفاية ، وبينا وجه نكارته ، وناقشنا
القاسم بن الفضل فيما ذكره ، فمن أراد ذلك فليراجع " التفسير " . والله أعلم .
وقال الحافظ
أبو بكر الخطيب البغدادي ثنا
إبراهيم بن مخلد بن جعفر ، ثنا
محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، ثنا
عباس بن محمد ، ثنا
أسود بن عامر ، ثنا
زهير بن معاوية ، ثنا
أبو روق الهمداني ، ثنا
أبو الغريف قال : كنا في مقدمة
الحسن بن علي اثني عشر ألفا بمسكن مستميتين ، تقطر أسيافنا من الجد
[ ص: 141 ] على قتال أهل
الشام وعلينا
أبو العمرطة ، فلما جاءنا صلح
الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ ، فلما قدم
الحسن بن علي الكوفة قال له رجل منا يقال له :
أبو عامر سفيان بن الليل : السلام عليك يا مذل المؤمنين . فقال : لا تقل هذا يا
أبا عامر ، لست بمذل المؤمنين ، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك .
ولما تسلم
معاوية البلاد ودخل
الكوفة وخطب بها ، واجتمعت عليه الكلمة في سائر الأقاليم والآفاق ، ورجع إليه
قيس بن سعد أحد دهاة العرب ، وقد كان عزم على الشقاق ، وحصل على بيعة
معاوية عامئذ الإجماع والاتفاق ، ترحل
الحسن بن علي ، ومعه أخوه
الحسين وبقية إخوتهم وابن عمهم
عبد الله بن جعفر من أرض
العراق إلى أرض
المدينة النبوية ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الأمر
لمعاوية ، وهو في ذلك مصيب بار راشد ممدوح ، وليس يجد في صدره حرجا ولا تلوما ولا ندما ، بل هو راض بذلك مستبشر به ، وإن كان قد ساء هذا خلقا من ذويه وأهله وشيعته ، ولا سيما بعد ذلك بمدد ، وهلم جرا إلى يومنا هذا . والحق في ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الأمة ، كما مدحه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم في الحديث الصحيح ، ولله الحمد والمنة . وسيأتي فضائل
الحسن عند ذكر وفاته ، رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل جنات الفردوس متقلبه
[ ص: 142 ] ومثواه ، وقد فعل .
وقال
محمد بن سعد : أنا
أبو نعيم ، ثنا
شريك ، عن
عاصم ، عن
أبي رزين قال : خطبنا
الحسن بن علي يوم جمعة ، فقرأ سورة " إبراهيم " على المنبر حتى ختمها .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
الحسن ، أنه كان يقرأ كل ليلة سورة " الكهف " في لوح مكتوب يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام ، وهو في الفراش ، رضي الله عنه .