فتنة ابن الأشعث
قال
أبو مخنف : كان ابتداؤها في هذه السنة . وقال
الواقدي : في سنة
[ ص: 305 ] ثنتين وثمانين ، وقد ساقها
ابن جرير في هذه السنة ، فوافقناه في ذلك .
وكان سبب هذه الفتنة أن
ابن الأشعث كان
الحجاج يبغضه ، وكان هو يفهم ذلك ، ويضمر له السوء وزوال الملك عنه ، فلما أمره
الحجاج على ذلك الجيش المتقدم ذكره ، وأمره بدخول بلاد
رتبيل ملك
الترك ، فمضى وصنع ما قدمناه من أخذه بعض بلاد
الترك ، ثم رأى لأصحابه أن يقيموا حتى يتقووا إلى العام المقبل ، فكتب إلى
الحجاج بذلك ، فكتب إليه
الحجاج يستهجن رأيه في ذلك ، ويستضعف عقله ، ويقرعه بالجبن والنكول عن الحرب ، ويأمره حتما بدخول بلاد
رتبيل ، ثم أردف ذلك بكتاب ثان ثم ثالث ، فلما تواردت كتب
الحجاج إليه يحثه على التوغل في بلاد
رتبيل ، جمع من معه ، وقام فيهم ، فأعلمهم بما كان رأى من الرأي في ذلك ، وبما كتب إليه
الحجاج من الأمر بمعاجلة
رتبيل ، فثار
[ ص: 307 ] إليه الناس ، وقالوا : لا ، بل نأبى على عدو الله
الحجاج ، ولا نسمع له ولا نطيع . قال
أبو مخنف : فحدثني
مطرف بن عامر بن واثلة الكناني ، أن أباه كان أول من تكلم في ذلك ، وكان شاعرا خطيبا ، وكان مما قال : إن مثل
الحجاج في هذا الرأي ومثلنا كما قال الأول لأخيه : احمل عبدك على الفرس ، فإن هلك هلك ، وإن نجا فلك . إنكم إن ظفرتم كان ذلك زيادة في سلطانه ، وإن هلكتم كنتم الأعداء البغضاء . ثم قال : اخلعوا عدو الله
الحجاج - ولم يذكر خلع
عبد الملك - وبايعوا لأميركم
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن الأشعث ، فإني أشهدكم أني أول خالع
nindex.php?page=showalam&ids=14078للحجاج . فقال الناس من كل جانب : خلعنا عدو الله . ووثبوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن الأشعث فبايعوه عوضا عن
الحجاج ، ولم يذكروا خلع
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان .
وبعث
ابن الأشعث إلى
رتبيل ، فصالحه على أنه إن ظفر
nindex.php?page=showalam&ids=14078بالحجاج فلا خراج على
رتبيل أبدا ، ثم سار
ابن الأشعث بالجنود الذين معه مقبلا من
سجستان إلى
الحجاج ; ليقاتله ويأخذ منه
العراق ، ثم لما توسطوا الطريق قالوا : إن خلعنا
nindex.php?page=showalam&ids=14078للحجاج خلع
لابن مروان . فخلعوهما جميعا ، وجددوا البيعة
لابن الأشعث ، فبايعهم على كتاب الله وسنة رسوله ، وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين . فإذا قالوا : نعم . بايعهم .
فلما بلغ الحجاج ما صنعوا من خلعه وخلع [ ص: 308 ] ابن مروان ، كتب إلى عبد الملك يعلمه بذلك ، ويستعجله في بعثه الجنود إليه ، وجاء
الحجاج حتى نزل
البصرة ، وبلغ
المهلب خبر
ابن الأشعث ، وكتب إليه يدعوه إلى ذلك فأبى عليه ، وبعث بكتابه إلى
الحجاج ، وكتب
المهلب إلى
ابن الأشعث يقول له : إنك
يا ابن الأشعث قد وضعت رجلك في ركاب طويل ، أبق على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، الله الله ، انظر لنفسك فلا تهلكها ، ودماء المسلمين فلا تسفكها ،
والجماعة فلا تفرقها ، والبيعة فلا تنكثها ، فإن قلت : أخاف الناس على نفسي ، فالله أحق أن تخافه من الناس ، فلا تعرضها لله في سفك الدماء ، أو استحلال محرم ، والسلام عليك .
وكتب
المهلب إلى
الحجاج : أما بعد ، فإن
أهل العراق قد أقبلوا إليك مثل السيل المنحدر من عل ، ليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره ، وإن
لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم ، فليس شيء يردهم حتى يصلوا إلى أهليهم ، ويشموا أولادهم ، ثم واقعهم عندها ، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله .
[ ص: 309 ] فلما قرأ
الحجاج كتابه قال : فعل الله به وفعل ، لا والله ما لي نظر ، ولكن لابن عمه نصح . ولما وقع كتاب
الحجاج إلى
عبد الملك هاله ذلك ، ثم نزل عن سريره ، وبعث إلى
خالد بن يزيد بن معاوية ، فأقرأه كتاب
الحجاج ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن كان هذا الحدث من قبل
خراسان فخفه ، وإن كان من قبل
سجستان فلا تخفه .
ثم أخذ
عبد الملك في تجهيز الجنود من
الشام إلى
العراق في نصرة
الحجاج ، وتجهيز
الحجاج للخروج إلى
ابن الأشعث ، وعصى رأي
المهلب فيما أشار به عليه ، وكان فيه النصح والصدق ، وجعلت كتب
الحجاج لا تنقطع عن
عبد الملك بخبر
ابن الأشعث صباحا ومساء ; أين نزل ؟ ومن أين ارتحل ؟ وأي الناس إليه أسرع ؟ وجعل الناس يلتفون على
ابن الأشعث من كل جانب ، حتى قيل : إنه سار معه ثلاثة وثلاثون ألف فارس ، ومائة وعشرون ألف راجل ، وخرج
الحجاج في جنود
الشام من
البصرة نحو
ابن الأشعث ، فنزل
تستر ، وقدم بين يديه
مطهر بن حي العكي أميرا على المقدمة ، ومعه
عبد الله بن زميت أميرا آخر ، فانتهوا إلى
دجيل ، فإذا مقدمة
ابن الأشعث في ثلاثمائة فارس عليها
عبد الله بن أبان الحارثي ، فالتقوا في يوم الأضحى عند نهر
دجيل ، فهزمت مقدمة
الحجاج ، وقتل أصحاب
ابن الأشعث منهم خلقا كثيرا ، نحو ألف وخمسمائة ،
[ ص: 310 ] واحتازوا ما في معسكرهم من خيول وقماش وأموال ، وجاء الخبر إلى
الحجاج بهزيمة أصحابه ، فأخذه ما دب ودرج ، وقد كان قائما يخطب ، فقال : أيها الناس ، ارجعوا إلى
البصرة ، فإنه أرفق بالجند ، فرجع بالناس ، واتبعتهم خيول
ابن الأشعث لا يدركون منهم شاذا إلا قتلوه ، ولا فاذا إلا أهلكوه ، ومضى
الحجاج هاربا لا يلوي على شيء ، حتى أتى
الزاوية ، فعسكر عندها ، وجعل يقول : لله در
المهلب ! أي صاحب حرب هو ؟ ! قد أشار علينا بالرأي ، ولكنا لم نقبل .
وأنفق
الحجاج على جيشه - وهو بهذا المكان - مائة وخمسين ألف ألف درهم ، وخندق حول جيشه خندقا ، وجاء أهل
العراق فدخلوا
البصرة ، واجتمعوا بأهاليهم وشموا أولادهم ، ودخل
ابن الأشعث البصرة ، فخطب الناس بها ، وبايعهم وبايعوه على خلع
عبد الملك ونائبه
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف ، وقال لهم
ابن الأشعث : ليس
الحجاج بشيء ، ولكن اذهبوا بنا إلى
عبد الملك لنقاتله . ووافقه على خلعهما جميع من
بالبصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب ، ثم أمر
ابن الأشعث بخندق حول
البصرة فعمل ذلك ، وكان ذلك في أواخر ذي الحجة من هذه السنة .
وحج بالناس فيها
سليمان بن عبد الملك فيما ذكره
الواقدي وأبو [ ص: 311 ] معشر . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وفيها غزا
موسى بن نصير أمير
بلاد المغرب من جهة
عبد الملك بلاد الأندلس ، فافتتح مدنا كثيرة ، وأراضي عامرة ، وأوغل في
بلاد المغرب إلى أن وصل إلى الزقاق المنبثق من
البحر الأخضر المحيط . والله أعلم .