أخبار النجاشي
واسمه أصحمة ملك الحبشة . معدود في الصحابة رضي الله عنهم وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر ، ولا له رؤية ، فهو تابعي من وجه ، صاحب من وجه ، وقد توفي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه بالناس صلاة الغائب
[ ص: 429 ] ولم يثبت أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - على غائب سواه ، وسبب ذلك أنه مات بين قوم نصارى ، ولم يكن عنده من يصلي عليه ; لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى
المدينة عام
خيبر .
ابن إسحاق : عن
الزهري قال : حدثت
عروة بن الزبير بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن عن
أم سلمة بقصة
النجاشي وقوله
nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص : فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ، فقال
عروة : أتدري ما معناه ؟ قلت : لا ، قال : إن
عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلا
النجاشي ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة
الحبشة .
فقالت
الحبشة بينها : لو أنا قتلنا أبا
النجاشي ، وملكنا أخاه ، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه اثني عشر ولدا ، فتوارثوا ملكه من بعده ، فبقيت
الحبشة بعده دهرا . فعدوا على أبي
النجاشي ، فقتلوه وملكوا أخاه . فمكثوا على ذلك .
ونشأ
النجاشي مع عمه ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فغلب على أمر عمه ، ونزل منه بكل منزلة ، فلما رأت
الحبشة مكانه منه ، قالت بينها : والله إنا لنتخوف أن يملكه ، ولئن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين ، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه .
فمشوا إلى
[ ص: 430 ] عمه ، فقالوا له : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه . قال : ويلكم ! قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم ! بل أخرجوه من بلادكم . فخرجوا به ، فباعوه من رجل تاجر بست مائة درهم ، ثم قذفه في سفينة ، فانطلق به حتى إذا المساء من ذلك اليوم ، هاجت سحابة من سحاب الخريف ، فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . ففزعت
الحبشة إلى ولده . فإذا هم حمقى ليس في ولده خير ، فمرج على
الحبشة أمرهم ، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض : تعلمون والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتموه غدوة ، فإن كان لكم بأمر
الحبشة حاجة ، فأدركوه ، قال : فخرجوا في طلبه . حتى أدركوه فأخذوه من التاجر ، ثم جاءوا به ، فعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، وملكوه .
فجاءهم التاجر ، فقال : إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ، فقالوا : لا نعطيك شيئا ، قال : إذن والله لأكلمنه . قالوا : فدونك ، فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مائة درهم ، فأسلموه إلي ، وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي . فقال لهم
النجاشي : لتعطنه دراهمه ، أو ليسلمن غلامه في يديه ، فليذهبن به حيث يشاء ، قالوا : بل نعطيه دراهمه ، قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه . وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه ، ثم قالت : لما مات
النجاشي ، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور . " المسند "
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل : حدثنا
يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن
ابن إسحاق ، حدثني
ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،
[ ص: 431 ] عن
أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لما نزلنا أرض
الحبشة جاورنا بها خير جار
النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه .
فلما بلغ ذلك
قريشا ، ائتمروا أن يبعثوا إلى
النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع
مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ، ثم بعثوا بذلك
عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ،
وعمرو بن العاص السهمي ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا
النجاشي فيهم ، ثم قدموا له هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم .
قالت : فخرجا ، فقدما على
النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار . فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته ، وقالا له : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهم : نعم .
ثم إنهما قربا هدايا
النجاشي ، فقبلها منهم ، ثم كلماه ، فقالا له : أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا
[ ص: 432 ] عليهم فيه . قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله ،
وعمرو من أن يسمع
النجاشي كلامهم . فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك . فأسلمهم إليهما . فغضب
النجاشي ، ثم قال : لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم .
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائنا في ذلك ما كان . فلما جاءوه ، وقد دعا
النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : وكان الذي يكلمه
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب ، فقال له : أيها الملك ، إنا كنا قوما أهل جاهلية ; نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف . فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .
قالت : فعدد له أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان ، وأن نستحل ما كنا
[ ص: 433 ] نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .
قالت : فقال : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قال : نعم . قال : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدرا من
كهيعص فبكى والله
النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ، ثم قال
النجاشي : إن هذا والذي جاء به
موسى ليخرج من مشكاة واحدة . انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد .
فلما خرجا قال
عمرو : والله لأنبئنه غدا عيبهم ثم أستأصل خضراءهم . فقال له
عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - : لا تفعل ; فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا . قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن
عيسى عبد . ثم غدا عليه ، فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون في
عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم ، فسلهم عما يقولون فيه . فأرسل يسألهم .
قالت . ولم ينزل بنا مثلها ، فاجتمع القوم ، ثم قالوا : نقول والله فيه ما قال الله تعالى كائنا ما كان . فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في
عيسى ؟ فقال له
جعفر : نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى
مريم العذراء البتول ، فضرب
النجاشي يده إلى الأرض ، فأخذ عودا ، ثم قال : ما عدا
عيسى ما قلت هذا العود . فتناخرت بطارقته حوله ،
[ ص: 434 ] فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبرى ذهبا وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسانهم الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في ، فأطيعهم فيه .
فخرجا مقبوحين ، مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . فوالله إنا على ذلك ، إذ نزل به ، يعني من ينازعه في ملكه ، فوالله ما علمنا حربا قط كان أشد من حرب حربناه تخوفا أن يظهر ذلك على
النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان
النجاشي يعرف منه ، وسار
النجاشي وبينهما عرض النيل . فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ فقال
الزبير : أنا ، وكان من أحدث القوم سنا . فنفخوا له قربة ، فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى مكان الملتقى ، وحضر ، فدعونا الله
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده ، واستوسق له أمر
الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو
بمكة .
سليمان ابن بنت شرحبيل : عن
عبد الرحمن بن بشير ،
وعبد الملك بن هشام ،
[ ص: 435 ] عن
زياد البكالي ،
وأحمد بن محمد بن أيوب ، عن
إبراهيم بن سعد جميعا : عن
ابن إسحاق ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن
أم سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب : أن
النجاشي سأله : ما دينكم ؟ قال : بعث الله فينا رسولا ، وذكر بعض ما تقدم .
تفرد بوصله
ابن إسحاق ، وأما
عقيل ،
ويونس ، وغيرهما ، فأرسلوه . ورواه
ابن إدريس عن
ابن إسحاق فقال : عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة ،
وعبيد الله ، عن
أم سلمة . ويروى هذا الخبر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11935أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه . ورواه
ابن شابور ، عن
عثمان بن عطاء ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس بطوله . أعلى بهم عينا : أبصر بهم . لاها الله : قسم ، وأهل العربية يقولون : لاها الله ذا . والهاء بدل من واو القسم ، أي : لا والله لا يكون ذا . وقيل : بل حذفت واو القسم ، وفصلت " ها " من هذا فتوسطت الجلالة ونصبت لأجل حذف واو القسم . وتناخرت فالنخير : صوت من الأنف ، وقيل : النخير ضرب من الكلام ، وجاء في رواية : من حزن حزناه . وقولها : حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بمكة عنت نفسها وزوجها . وكذا قدم
الزبير nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وطائفة من مهاجرة
الحبشة مكة ، وملوا من سكنى
الحبشة ، ثم قدم طائفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرفوا بأنه هاجر إلى
[ ص: 436 ] المدينة ، ثم قدم
جعفر بمن بقي ليالي
خيبر . قال
أبو موسى الأصبهاني الحافظ : اسم
النجاشي أصحمة ، وقيل :
أصحم بن بجرى . كان له ولد يسمى
أرمى ، فبعثه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات في الطريق . وقيل : إن الذي كان رفيق
عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي . فقال
أبو كريب ومحمد بن آدم المصيصي : حدثنا
أسد بن عمرو ، حدثنا
مجالد عن
الشعبي ، عن
عبد الله بن جعفر ، عن أبيه قال :
بعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي . فقالوا له ونحن عنده : قد جاء إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا ، فادفعهم إلينا . قال : لا ، حتى أسمع كلامهم ، وذكر نحوه إلى أن قال : فأمر مناديا ، فنادى : من آذى أحدا منهم ، فأغرموه أربعة دراهم ، ثم قال : يكفيكم ؟ قلنا : لا ، فأضعفها . فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وظهر بها ، قلنا له : إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وهاجر وقتل الذي كنا حدثناك عنهم ، وقد أردنا الرحيل إليه فزودنا ، قال : نعم ، فحملنا وزودنا وأعطانا ، ثم قال : أخبر صاحبك بما صنعت إليكم ، وهذا رسولي معك ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، فقل له يستغفر لي . قال جعفر : فخرجنا حتى أتينا المدينة : فتلقاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقني [ ص: 437 ] فقال : ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أو بقدوم جعفر . ثم جلس ، فقام رسول النجاشي ، فقال : هو ذا جعفر ، فسله ما صنع به صاحبنا ، فقلت : نعم ، يعني ذكرته له ، فقام رسول الله ، فتوضأ ، ثم دعا ثلاث مرات : اللهم اغفر nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي . فقال المسلمون : آمين . فقلت للرسول : انطلق ، فأخبر صاحبك ما رأيت .
ابن أبي عدي ومعاذ : عن
ابن عون عن
عمير بن إسحاق أن جعفرا قال : يا رسول الله ، ائذن لي حتى أصير إلى أرض أعبد الله فيها ، فأذن له ، فأتى النجاشي .
فحدثنا
عمرو بن العاص قال : لما رأيت
جعفرا آمنا بها هو وأصحابه حسدته ، فأتيت
النجاشي ، فقلت : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا ولا أحد من أصحابي . قال : اذهب إليه ، فادعه . قلت : إنه لا يجيء معي ، فأرسل معي رسولا . فأتيناه وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم . قال له : أجب . فلما أتينا الباب ناديت : ائذن
nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص ، ونادى
جعفر : ائذن لحزب الله . فسمع صوته ، فأذن له قبلي . الحديث .
إسرائيل : عن
أبي إسحاق ، عن
أبي بردة ، عن أبيه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=878979أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي ، فبلغ ذلك قريشا ، فبعثوا عمرا وعمارة بن الوليد ، وجمعوا nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي هدية . فقدما عليه ، وأتياه بالهدية ، [ ص: 438 ] فقبلها وسجدا له ، ثم قال عمرو : إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك . قال : في أرضي ؟ قال : نعم .
فبعث إلينا ، فقال لنا جعفر : لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم . فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس عظيم ، وعمرو عن يمينه ، وعمارة عن يساره ، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين ، وقد قال له عمرو : إنهم لا يسجدون لك . فلما انتهينا بدرنا من عنده أن اسجدوا ، قلنا : لا نسجد إلا لله - عز وجل .
فلما انتهينا إلى النجاشي ، قال : ما منعك أن تسجد ؟ قال : لا نسجد إلا لله . قال : وما ذاك ؟ قال : إن الله بعث فينا رسولا وهو الذي بشر به عيسى ، فقال : يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، وأمرنا بالمعروف ، ونهانا عن المنكر . فأعجب النجاشي قوله ، فلما رأى ذلك عمرو ، قال : أصلح الله الملك ، إنهم يخالفونك في ابن مريم . فقال النجاشي لجعفر : ما يقول صاحبكم في ابن مريم ؟ قال : يقول فيه قول الله : هو روح الله وكلمته ، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ، ولم يفرضها ولد . فتناول عودا ، فرفعه فقال : يا معشر القسيسين والرهبان ، ما يزيد على ما تقولون في ابن مريم ما تزن هذه . مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، فأنا أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى [ ص: 439 ] أقبل نعله ، امكثوا في أرضي ما شئتم . وأمر لنا بطعام وكسوة ، وقال : ردوا على هذين هديتهما .
وكان
عمرو رجلا قصيرا وكان
عمارة رجلا جميلا ، وكانا أقبلا في البحر إلى
النجاشي ، فشرب مع
عمرو وامرأته ، فلما شربوا من الخمر قال
عمارة :
لعمرو : مر امرأتك فلتقبلني . قال : ألا تستحي ؟ فأخذ
عمارة عمرا يرمي به في البحر ، فجعل
عمرو يناشده حتى تركه ، فحقد عليه
عمرو ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي : إنك إذا خرجت ، خلفك
عمارة في أهلك . فدعا
بعمارة ، فنفخ في إحليله ، فطار مع الوحش .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
ابن شهاب ، قال : مكر
عمرو بعمارة فقال : يا
عمارة إنك رجل جميل ، فاذهب إلى امرأة
النجاشي ، فتحدث عندها إذا خرج زوجها ، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا . فراسلها
عمارة حتى دخل عليها . فانطلق
عمرو إلى
النجاشي فقال : إن صاحبي صاحب نساء ، وإنه يريد أهلك . فبعث
النجاشي إلى بيته ، فإذا هو عند أهله . فأمر به ، فنفخ في إحليله ، سحره ، ثم ألقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فجن ، واستوحش مع الوحش .
ابن إسحاق : عن
يزيد بن رومان ، عن
عروة عن
عائشة قالت : لما مات
النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور .
[ ص: 440 ]
فأما
عمارة ، فإنه بقي إلى خلافة
عمر مع الوحوش ، فدل عليه أخوه ، فسار إليه وتحين وقت وروده الماء ، فلما رأى أخاه فر ، فوثب وأمسكه ، فبقي يصيح : أرسلني يا أخي ، فلم يرسله ، فخارت قوته من الخوف ، ومات في الحال . فعداده في المجانين الذين يبعثون على ما كانوا عليه قبل ذهاب العقل ، فيبعث هذا المعثر على الكفر والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله المغفرة .
وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : اجتمعت
الحبشة فقالوا
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي : فارقت ديننا . وخرجوا عليه ، فأرسل إلى
جعفر وأصحابه ، فهيأ لهم سفنا ، وقال : اركبوا ، فإن هزمت ، فامضوا ، وإن ظفرت فاثبتوا . ثم عمد إلى كتاب ، فكتب فيه : هو يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن
محمدا عبده ورسوله ، ويشهد أن
عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى
مريم . ثم جعله في قبائه ، وخرج إلى
الحبشة ، وصفوا له ، فقال : يا معشر
الحبشة : ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا : بلى . قال : فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا : خير سيرة ، قال : فما بالكم ؟ قالوا : فارقت ديننا ، وزعمت أن
عيسى عبد . قال : فما تقولون فيه ؟ قالوا : هو ابن الله ، فقال - ووضع يده على صدره على قبائه - هو يشهد أن
عيسى ، لم يزد على هذا شيئا ، وإنما عنى على ما كتب ، فرضوا وانصرفوا .
فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النجاشي صلى عليه ، واستغفر له .
[ ص: 441 ]
ومن محاسن
النجاشي أن
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها
عبيد الله بن جحش الأسدي قديما ، فهاجر بها زوجها ، فانملس بها إلى أرض
الحبشة ، فولدت له
حبيبة ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصر ، فلم ينشب أن مات
بالحبشة ، فلما وفت العدة ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها ، فأجابت ، فنهض في ذلك
النجاشي ، وشهد زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطاها الصداق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده أربع مائة دينار ، فحصل لها شيء لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين ، ثم جهزها
النجاشي . وكان الذي وفد على
النجاشي بخطبتها
nindex.php?page=showalam&ids=243عمرو بن أمية الضمري ، فيما نقله
الواقدي بإسناد مرسل ، ثم قال : وحدثني
محمد بن صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة ، وحدثني
عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن
عبد الله بن أبي بكر قالا : كان الذي زوجها ، وخطب إليه
النجاشي nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص الأموي ، وكان عمرها لما قدمت
المدينة بضعا وثلاثين سنة .
معمر : عن
الزهري ، عن
عروة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=878981عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش ، وكان رحل إلى النجاشي ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالحبشة ، [ ص: 442 ] زوجه إياها النجاشي ، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وجهازها كله من عند النجاشي .
وأما
ابن لهيعة ، فنقل عن
أبي الأسود ، عن
عروة قال : أنكحه إياها
بالحبشة عثمان - رضي الله عنه - ; وهذا خطأ فإن
عثمان كان
بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يغب عنه إلا يوم
بدر ، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم ، فيمرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال
ابن سعد : أنبأنا
محمد بن عمر ، أنبأنا
عبد الله بن عمرو بن زهير ، عن
إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال : قالت
أم حبيبة : رأيت في النوم كأن
عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهه ، ففزعت . فإذا هو يقول : حين أصبح : يا
أم حبيبة ، إني نظرت في الدين ، فلم أر دينا خيرا من النصرانية وكنت قد دنت بها ، ثم دخلت في دين
محمد ، فقد رجعت إليها . فأخبرته بالرؤيا ، فلم يحفل بها ، وأكب على الخمر حتى مات .
فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي : يا أم المؤمنين ، ففزعت فأولتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني ، فما هو إلا أن انقضت عدتي ، فما شعرت إلا ورسول
النجاشي على بابي يستأذن ، فإذا جارية له يقال لها :
أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلت علي ، فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله كتب إلي أن أزوجكه . فقلت : بشرك الله بخير .
قالت : يقول الملك : وكلي من يزوجك . فأرسلت إلى
خالد بن سعيد فوكلته ، وأعطت
أبرهة سوارين من فضة ، وخواتيم كانت في أصابع رجليها ، وخدمتين كانتا في رجليها .
فلما كان العشي ، أمر
النجاشي nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا ، فخطب
النجاشي ، فقال : الحمد
[ ص: 443 ] لله الملك القدوس السلام . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن
محمدا عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به
عيسى - صلى الله عليه وسلم - . ثم خطب
خالد بن سعيد ، وزوجها وقبض أربع مائة دينار ، ثم دعا بطعام ، فأكلوا . قالت : فلما وصل إلي المال ، عزلت خمسين دينارا
لأبرهة ، فأبت ، وأخرجت حقا فيه كل ما أعطيتها فردته ، وقالت : عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا ، وقد أسلمت لله ، وحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام ، ثم جاءتني من عند نساء الملك بعود وعنبر وزباد كثير . فقيل : بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست . وقال
خليفة : دخل بها سنة سبع من الهجرة .
وأصحمة بالعربي : عطية . ولما توفي ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=878982إن أخا لكم قد مات بأرض الحبشة فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفا ، ثم صلى عليه . فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة .