الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد العزيز بن سياه : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما . رواه عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه ، قال : قالت عائشة . وقد كان عمار ينكر على عثمان أمورا لو كف عنها لأحسن فرضي الله عنهما . [ ص: 417 ] أبو نعيم : حدثنا سعد بن أوس عن بلال بن يحيى ، أن حذيفة أتي وهو ثقيل بالموت ، فقيل له : قتل عثمان فما تأمرنا ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات . لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم . البغوي : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، حدثنا عمرو بن أبي ، قيس ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : انظروا عمارا ; فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر . فيه من تضعف ، ويروى عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا نحوه . قال علقمة : قال لي أبو الدرداء : أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان ؟ - يعني عمارا . . . الحديث . [ ص: 418 ] حماد بن سلمة : أنبأنا أبو جمرة ، عن إبراهيم ، عن خيثمة بن عبد الرحمن : قلت لأبي هريرة : حدثني . فقال : تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد ، والمجار من الشيطان عمار بن ياسر ؟ . داود بن أبي هند : عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : [ ص: 419 ] أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المسجد ، فجعلنا ننقل لبنة لبنة ، وعمار ينقل لبنتين لبنتين ، فترب رأسه ، فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله أنه جعل ينفض رأسه ويقول : ويحك يا ابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية .

                                                                                      خالد الحذاء : عن عكرمة سمع أبا سعيد بهذا ولفظه : ويح ابن سمية ! تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . فجعل يقول : أعوذ بالله من الفتن .

                                                                                      ورقاء : عن عمرو بن دينار ، عن زياد مولى عمرو بن العاص عن عمرو : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية . رواه شعبة عن عمرو فقال : عن رجل من أهل مصر ، عن عمرو . ابن عون : عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة مرفوعا تقتل عمارا الفئة الباغية . معمر : عن ابن طاوس ، عن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، قال : [ ص: 420 ] لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص ، فقال : قتل عمار ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقتله الفئة الباغية . فدخل عمرو على معاوية ، فقال : قتل عمار . فقال : قتل عمار فماذا ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . قال : دحضت في بولك ; أونحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه الذين ألقوه بين رماحنا ، أو قال : بين سيوفنا . شعبة : عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية .

                                                                                      أبو عوانة في " مسنده " وأبو يعلى من حديث أحمد بن محمد الباهلي : حدثنا يحيى بن عيسى ، حدثنا الأعمش ، حدثنا زيد بن وهب أن عمارا قال لعثمان : حملت قريشا على رقاب الناس . عدوا علي ، فضربوني ، فغضب عثمان ثم قال : مالي ولقريش ؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فضربوه ، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية وقاتله في النار . [ ص: 421 ] وأخرج أبو عوانة أيضا مثله من حديث القاسم الحداني ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن محمد بن الحنفية ، عن أبيه ، عن عثمان . وأخرج أبو عوانة من طريق حماد بن سلمة ، عن أبي التياح ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن عمار : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقتلك الفئة الباغية . وفي الباب عن عدة من الصحابة ، فهو متواتر . قال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا . الثوري : عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال : جاء خباب إلى عمر فقال : ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار . الثوري : عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال : قرئ علينا كتاب ، [ ص: 422 ] عمر : أما بعد ، فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر ، فاسمعوا لهما وأطيعوا ، واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي . رواه شريك فقال : آثرتكم بهما على نفسي . ويروى أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف . مغيرة : عن إبراهيم أن عمارا كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب ( يس ) وقال زر : رأيت عمارا قرأ إذا السماء انشقت وهو على المنبر فنزل فسجد .

                                                                                      شعبة ، عن قيس سمع طارق بن شهاب يقول : إن أهل البصرة غزوا نهاوند ، فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار ، فظفروا ، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة شيئا ، فقال رجل تميمي : أيها الأجدع ، تريد أن تشاركنا في غنائمنا ؟ فقال عمار : خير أذني سببت ، فإنها أصيبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : إن الغنيمة لمن شهد الوقعة . قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح : يا معشر المسلمين ، أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر ، هلموا إلي . وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت ، فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال . [ ص: 423 ] قال الشعبي : سئل عمار عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا . قال : فدعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناه لكم . قال عبد الله بن أبي الهذيل : رأيت عمارا اشترى قتا بدرهم ، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة .

                                                                                      الأعمش : عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد : أن رجلا من الكوفة وشى بعمار إلى عمر ، فقال له عمار : إن كنت كاذبا ، فأكثر الله مالك وولدك ، وجعلك موطأ العقبين . ويقال : سعوا بعمار إلى عمر في أشياء كرهها له ، فعزله ، ولم يؤنبه . وقيل : إن جريرا سأله عمر عن عمار ، فقال : هو غير كاف ولا عالم بالسياسة . الأعمش : عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سألهم عمر عن عمار ، فأثنوا عليه ، وقالوا : والله ما أنت أمرته علينا ، ولكن الله أمره . فقال عمر : اتقوا الله وقولوا كما يقال ، فوالله لأنا أمرته عليكم ، فإن كان صوابا فمن قبل الله ، وإن كان خطأ إنه من قبلي . داود بن أبي هند عن الشعبي ، قال عمر لعمار : أساءك عزلنا إياك ؟ قال : لئن قلت ذاك لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني . [ ص: 424 ] روى البهي : عن ابن عمر ، قال : ما أعلم أحدا خرج في الفتنة يريد الله إلا عمارا ، وما أدري ما صنع . الأسود بن شيبان : حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب ، قال : كان عمار بن ياسر قليل الكلام ، طويل السكوت ، وكان عامة قوله : عائذ بالرحمن من فتنة ، عائذ بالرحمن من فتنة ، فعرضت له فتنة عظيمة . الأعمش : عن عبد الله بن زياد ، قال عمار : إن أمنا - يعني عائشة - قد مضت لسبيلها ، وإنها لزوجته في الدنيا والآخرة ; ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها . وأخرج نحوه البخاري من حديث أبي وائل . قال أبو إسحاق السبيعي : قال عمار لعلي : ما تقول في أبناء من قتلنا ؟ قال : لا سبيل عليهم . قال : لو قلت غير ذا خالفناك . الأعمش : عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن حميد ، قال عمار لعلي يوم الجمل : ما تريد أن تصنع بهؤلاء ؟ فقال له علي : حتى ننظر لمن تصير عائشة . فقال عمار : ونقسم عائشة ؟ قال : فكيف نقسم هؤلاء ؟ قال : لو قلت غير ذا ما بايعناك . [ ص: 425 ] الثوري : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قال عمار يوم صفين : ائتوني بشربة لبن . قال : فشرب ، ثم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن . ثم تقدم فقتل . سعد بن إبراهيم الزهري : عن أبيه ، عمن حدثه : سمع عمارا بصفين يقول : أزفت الجنان ، وزوجت الحور العين ، اليوم نلقى حبيبنا محمدا - صلى الله عليه وسلم . مسلم بن إبراهيم : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، حدثنا أبي قال : كنت بواسط ، فجاء أبو الغادية عليه مقطعات ، وهو طوال ، فلما قعد ، قال : كنا نعد عمارا من خيارنا ، فإني لفي مسجد قباء إذ هو يقول وذكر كلمة لو وجدت عليه أعوانا لوطئته ، فلما كان يوم صفين ، أقبل يمشي أول الكتيبة ، فطعنه رجل فانكشف المغفر عنه فأضربه ، فإذا رأس عمار . قال : يقول مولى لنا : لم أر أبين ضلالة منه .

                                                                                      عفان : حدثنا حماد ، حدثنا كلثوم بن جبر ، عن أبي الغادية ، قال سمعت عمارا يقع في عثمان يشتمه ، فتوعدته بالقتل ، فلما كان يوم صفين ، جعل عمار يحمل على الناس ، فقيل : هذا عمار ، فطعنته في ركبته ، فوقع فقتلته ، فقيل : قتل عمار . وأخبر عمرو بن العاص ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن قاتله وسالبه في النار . [ ص: 426 ] ليث بن أبي سليم : عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، مرفوعا : قاتل عمار وسالبه في النار . قال ابن أبي خالد : عن قيس أو غيره ، قال عمار : ادفنوني في ثيابي ، فإني رجل مخاصم . وعن عاصم بن ضمرة أن عليا صلى على عمار ، ولم يغسله . قال أبو عاصم : عاش عمار ثلاثا وتسعين سنة ، وكان لا يركب على سرج ، ويركب راحلته . عبد الله بن طاوس ، عن أبي بكر بن حزم قال : لما قتل عمار ، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار . وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . فقام عمرو فزعا إلى معاوية فقال : ما شأنك ؟ قال : قتل عمار . قال : قتل عمار ، فكان ماذا ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . قال : أنحن قتلناه ؟ وإنما قتله علي وأصحابه ، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا ، أو قال : بين سيوفنا . قلت : كانت صفين في صفر وبعض ربيع الأول سنة سبع وثلاثين . قرأت على الحافظ عبد المؤمن بن خلف ، أخبركم يحيى بن أبي السعود ، أخبرتنا شهدة ، أنبأنا ابن طلحة ، أخبرنا أبو عمر الفارسي ، حدثنا محمد بن [ ص: 427 ] أحمد بن يعقوب ، حدثنا جدي ، حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا جويرية ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عمه قال : لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز بين الصفين جسيم على فرس جسيم ، ضخم على ضخم ، ينادي ، يا عباد الله ، بصوت موجع ، روحوا إلى الجنة ، ثلاث مرار ، الجنة تحت ظلال الأسل ، فثار الناس ، فإذا هو عمار ، فلم يلبث أن قتل . وبه : حدثنا جدي يعقوب ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي البختري الطائي قال : قاول عمار رجلا ، فاستطال الرجل عليه فقال عمار : أنا إذا كمن لا يغتسل يوم الجمعة ، فعاد الرجل ، فاستطال عليه فقال له عمار : إن كنت كاذبا ، فأكثر الله مالك وولدك وجعلك يوطأ عقبك .

                                                                                      وبه : حدثنا جدي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن عمار أنه قال : ثلاثة من كن فيه ، فقد استكمل الإيمان ، أو قال : من كمال الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، والإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم . قرأت على أحمد بن إسحاق ، أنبأنا أحمد بن أبي الفتح ، والفتح بن عبد الله ، قالا : أنبأنا محمد بن عمر الأرموي ، أنبأنا أحمد بن محمد ، أنبأنا علي بن عمر السكري ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، [ ص: 428 ] حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن بيان عن وبرة عن همام قال : قال عمار : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر .

                                                                                      أخرجه البخاري عن عبد الله شيخ له يقال : هو ابن حماد الآملي ، وقيل عبد الله بن أبي الخوارزمي ، عن يحيى بن معين . وهو فرد غريب ما أعلم رواه عن بيان بن بشر سوى إسماعيل ، ولم يخرجه سوى البخاري . الأعمش وغيره ، عن أبي وائل قال : رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ذا الكلاع وعمارا في قباب بيض بفناء الجنة ، فقال : ألم يقتل بعضكم بعضا ؟ قال : بلى ، ولكن وجدنا الله واسع المغفرة - آخر الترجمة والحمد لله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية