وقال
التنوخي : أخبرنا أبي : سمعت
أحمد بن يوسف الأزرق : أن
الحلاج لما قدم
بغداد استغوى خلقا من الناس والرؤساء ، وكان طمعه في
الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم ، فراسل
أبا سهل بن نوبخت [ ص: 323 ] يستغويه ، وكان
أبو سهل فطنا ، فقال لرسوله : هذه المعجزات التي يظهرها يمكن فيها الحيل ، ولكني رجل غزل ، ولا لذة لي أكبر من النساء ، وأنا مبتلى بالصلع ، فإن جعل لي شعرا ورد لحيتي سوداء ، آمنت بما يدعوني إليه وقلت : إنه باب الإمام ، وإن شاء قلت : إنه الإمام ، وإن شاء قلت : إنه النبي ، وإن شاء قلت : إنه الله . فأيس
الحلاج منه وكف .
قال
الأزرق : وكان يدعو كل قوم إلى شيء من هذه الأشياء حسب ما يستبله طائفة طائفة . أخبرني جماعة من أصحابه : أنه لما افتتن به الناس
بالأهواز وكورها بما يخرج لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها ، والدراهم التي سماها دراهم القدرة ، فحدث
أبو علي الجبائي بذلك ، فقال : هذه الأشياء يمكن الحيل فيها في منازل ، لكن أدخلوه بيتا من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكا . فبلغ
الحلاج قوله ، وأن قوما قد عملوا على ذلك ، فسافر .
وفي " النشوار "
للتنوخي أخبرنا
أبو بكر محمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثني منجم ماهر قال : بلغني خبر
الحلاج ، فجئته كالمسترشد ، فخاطبني وخاطبته ، ثم قال : تشه الساعة ما شئت حتى أجيئك به . وكنا في بعض بلدان الجبل التي لا يكون فيها الأنهار ، فقلت : أريد سمكا طريا حيا ، فقام ، فدخل البيت ، وأغلق بابه ، وأبطأ ساعة ، ثم جاءني وقد خاض وحلا إلى ركبته ، ومعه سمكة تضطرب ، وقال : دعوت الله ، فأمرني أن أقصد البطائح ، فجئت بهذه .
قال : فعلمت أن هذا حيلة ، فقلت له : فدعني أدخل البيت ، فإن لم تنكشف لي حيلة آمنت بك . قال : شأنك . فدخلت البيت ، وغلقت على نفسي ، فلم أجد طريقا ولا حيلة ،
[ ص: 324 ] ثم قلعت من التآزير ، ودخلت إلى دار كبيرة فيها بستان عظيم ، فيه صنوف الأشجار ، والثمار ، والريحان ، التي هو وقتها ، وما ليس وقتها مما قد غطي وعتق واحتيل في بقائه ، وإذا الخزائن مفتحة ، فيها أنواع الأطعمة وغير ذلك ، وإذا بركة كبيرة ، خضتها ، فإذا رجلي قد صارت بالوحل كرجليه ، فقلت : الآن إن خرجت ومعي سمكة قتلني ، فصدت سمكة ، فلما صرت إلى باب البيت أقبلت أقول : آمنت وصدقت ، ما ثم حيلة ، وليس إلا التصديق بك .
قال : فخرج ، وخرجت وعدوت ، فرأى السمكة معي ، فعدا خلفي ، فلحقني ، فضربت بالسمكة في وجهه وقلت له : أتعبتني حتى مضيت إلى البحر فاستخرجت هذه ، فاشتغل بما لحقه من السمكة ، فلما صرت في الطريق رميت بنفسي لما لحقني من الجزع والفزع ، فجاء إلي ، وضاحكني ، وقال : ادخل . فقلت : هيهات . فقال : اسمع ، والله لئن شئت قتلتك على فراشك ، ولكن إن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك . فما حكيتها حتى قتل .
قلت : هذا المنجم مجهول ، أنا أستبعد صدقه .
ابن باكويه : سمعت
علي بن الحسين الفارسي بالموصل ، سمعت
أبا بكر بن سعدان يقول : قال لي
الحلاج : تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفور أطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا نحاسا فيصير ذهبا ؟ . فقلت له : بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي ، فتصير قوائمه في السماء ، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك . قال : فبهت وسكت .
ويروى أن رجلا قال
للحلاج : أريد تفاحة ، ولم يكن وقته ، فأومأ بيده
[ ص: 325 ] إلى الهواء ، فأعطاهم تفاحة ، وقال : هذه من الجنة . فقيل له : فاكهة الجنة غير متغيرة ، وهذه فيها دودة . فقال : لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء ، فحل بها جزء من البلاء .
فانظر إلى ترامي هذا المسكين على الكرامات والخوارق ، فنعوذ بالله من الخذلان ، فعن
عمر -رضي الله عنه- أنه كان يتعوذ من خشوع النفاق .
قال
ابن باكويه : حدثنا
حمد بن الحلاج قال : ثم قدم أبي
بغداد ، وبنى دارا ، ودعا الناس إلى معنى لم أقف إلا على شطر منه ، حتى خرج عليه
محمد بن داود وجماعة من العلماء ، وقبحوا صورته ، ووقع بينه وبين
الشبلي .
قال
ابن باكويه : سمعت
عيسى بن بزول القزويني يقول : إنه سأل
ابن خفيف عن معنى هذه الأبيات :
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا
في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه
كلحظة الحاجب بالحاجب
فقال
ابن خفيف : على قائل ذا لعنة الله . قال : هذا شعر
الحسين الحلاج . قال : إن كان هذا اعتقاده فهو كافر . فربما يكون مقولا عليه .
السلمي : أخبرنا
عبد الواحد بن بكر ، سمعت
أحمد بن فارس ، سمعت
الحلاج يقول : حجبهم الاسم فعاشوا ، ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا .
[ ص: 326 ] وقال : أسماء الله من حيث الإدراك رسم ، ومن حيث الحق حقيقة .
وقال : إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة ، أوحي إليه بخاطرة .
وقال : من التمس الحق بنور الإيمان كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب .
وقال : ما انفصلت البشرية عنه ، ولا اتصلت به .
ومما روي
للحلاج : أنت بين الشغاف والقلب تجري مثل جري الدموع من أجفاني
وتحل الضمير جوف فؤادي كحلول الأرواح في الأبدان
يا هلالا بدا لأربع عشر لثمان وأربع واثنتان
وله : مزجت روحي في روحك كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال
وعن
القناد قال : لقيت يوما
الحلاج في حالة رثة ، فقلت له : كيف حالك ؟ فأنشأ يقول :
[ ص: 327 ] لئن أمسيت في ثوبي عديم لقد بليا على حر كريم
فلا يحزنك أن أبصرت حالا مغيرة عن الحال القديم
فلي نفس ستذهب أو سترقى لعمرك بي إلى أمر جسيم