ابن سمعون
الشيخ الإمام ، الواعظ الكبير المحدث
أبو الحسين ، محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس البغدادي ، شيخ زمانه
ببغداد .
مولده سنة ثلاثمائة .
وسمعون : هو لقب جده
إسماعيل .
سمع
أبا بكر بن أبي داود وهو أعلى شيخ له ،
ومحمد بن مخلد العطار ،
ومحمد بن عمرو بن البختري ،
وأحمد بن سليمان بن زبان الدمشقي ،
ومحمد بن محمد بن أبي حذيفة ، وعدة ، أملى عنهم عشرين مجلسا ، سمعناها عالية .
حدث عنه :
أبو عبد الرحمن السلمي ،
وعلي بن طلحة المقرئ ،
[ ص: 506 ] والحسن بن محمد الخلال ،
وأبو طالب العشاري ،
وأبو الحسين بن الآبنوسي ،
وخديجة بنت محمد الشاهجانية ،
وأبو بكر أحمد بن محمد بن حمدوه الحنبلي ، وآخرون .
وجد أبيه
عنبس - بنون ساكنة - هو
عنبس بن إسماعيل القزاز ، روى عن
شعيب بن حرب ، لحقه
محمد بن مخلد .
قال
السلمي : هو من مشايخ
البغداديين ، له لسان عال في هذه العلوم ، لا ينتمي إلى أستاذ ، وهو لسان الوقت ، والمرجوع إليه في آداب المعاملات ، يرجع إلى فنون من العلم .
وقال
الخطيب : كان أوحد دهره ، وفرد عصره في الكلام على علم الخواطر . دون الناس حكمه ، وجمعوا كلامه ، وكان بعض شيوخنا إذا حدث عنه ، قال : حدثنا الشيخ الجليل المنطق بالحكمة .
أنبأنا
ابن علان ، عن
القاسم بن علي ، أخبرنا
نصر الله بن محمد الفقيه ، أخبرنا
أبو الفتح نصر بن إبراهيم ، أخبرنا
عبيد الله بن عبد الواحد الزعفراني ، حدثني
أبو محمد السني صاحب أبي الحسين بن سمعون ، قال : كان
ابن سمعون في أول أمره ينسخ بالأجرة ، وينفق على نفسه وأمه ، فقال لها يوما : أحب أن أحج ، قالت : وكيف يمكنك ؟ ! فغلب عليها النوم ، فنامت وانتبهت بعد ساعة ، وقالت : يا ولدي حج . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم يقول : دعيه يحج فإن الخير له في حجه ، ففرح وباع دفاتره ، ودفع إليها من ثمنها ، وخرج مع الوفد ، فأخذت العرب الوفد . قال : فبقيت عريانا ، فجعلت إذا غلب علي الجوع ووجدت قوما من الحجاج يأكلون
[ ص: 507 ] وقفت ، فيدفعون إلي كسرة فأقتنع بها ، ووجدت مع رجل عباءة ، فقلت : هبها لي أستتر بها ، فأعطانيها وأحرمت فيه ، ورجعت . وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار . قال
السني : فقال الخليفة : اطلبوا رجلا مستورا يصلح أن تزوج هذه الجارية به ، فقيل : قد جاء
ابن سمعون ، فاستصوب الخليفة ذلك ، وزوجه بها . فكان يعظ ويقول : خرجت حاجا ، ويشرح حاله ويقول : ها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون .
قلت : كان فاخر الملبوس .
قال
أبو بكر البرقاني : قلت له يوما : تدعو الناس إلى الزهد ، وتلبس أحسن الثياب ، وتأكل أطيب الطعام ، كيف هذا ؟ فقال : كل ما يصلحك لله فافعله إذا صلح حالك مع الله تعالى .
قال
أبو محمد الخلال : قال لي
ابن سمعون : ما اسمك ؟ قلت :
حسن . قال : قد أعطاك الله الاسم ، فسله المعنى .
قال
أبو النجيب الأرموي : سألت
أبا ذر عن
ابن سمعون هل اتهمته ؟ قال : بلغني أنه روى جزءا عن
ابن أبي داود ، عليه :
وأبو الحسين بن سمعون ، وكان رجلا سواه ، لأنه كان صبيا ، ما كانوا يكنونه في ذلك الوقت . وسماعه من غيره صحيح . وكان القاضي
أبو بكر الأشعري ،
وأبو حامد يقبلان يده ، وكان القاضي يقول : ربما خفي علي من كلامه بعض الشيء لدقته .
السلمي : سمعت
ابن سمعون ، يقول في
[ ص: 508 ] وواعدنا موسى ثلاثين ليلة مواعيد الأحبة وإن اختلفت فإنها تؤنس . كنا صبيانا ندور على الشط ونقول :
ماطليني وسوفي وعديني ولا تفي واتركيني مولها
أو تجودي وتعطفي
الخطيب : حدثنا
محمد بن محمد الظاهري ، سمعت
ابن سمعون يذكر أنه أتى
بيت المقدس ، ومعه تمر ، فطالبته نفسه برطب ، فلامها ، فعمد إلى التمر وقت إفطاره فوجده رطبا ، فلم يأكل منه ، ثم ثاني ليلة وجده تمرا .
الخطيب : سمعت
أحمد بن علي البادي ، سمعت
أبا الفتح القواس يقول : لحقتني إضاقة ، فأخذت قوسا وخفين لأبيعهما ، فقلت : أحضر مجلس
ابن سمعون ثم أبيع ، فحضرت ، فلما فرغ ناداني : يا
أبا الفتح لا تبع الخفين والقوس ، فإن الله سيأتيك برزق من عنده ، أو كما قال .
الخطيب : حدثنا
شرف الوزراء أبو القاسم ، حدثني
أبو طاهر بن العلاف قال : حضرت
ابن سمعون وهو يعظ
وأبو الفتح القواس إلى جنب الكرسي ، فنعس ، فأمسك
أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ
أبو الفتح ، فقال له
أبو الحسين : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك ؟ قال : نعم . فقال : لذلك أمسكت خوفا أن تنزعج .
الخطيب : حدثنا
الوزير أبو القاسم ، حدثنا
أبو علي بن أبي موسى الهاشمي ، قال : حكى لي مولى
الطائع أن
الطائع أمره ، فأحضر
ابن سمعون ، فرأيت
الطائع غضبان - وكان ذا حدة - فسلم
ابن سمعون بالخلافة ،
[ ص: 509 ] ثم أخذ في وعظه فقال : روي عن أمير المؤمنين
علي -رضي الله عنه- كذا . ووعظ حتى بكى
الطائع وسمع شهيقه ، وابتل منديل من دموعه . فلما انصرف سئل الطائع عن سبب طلبه ، فقال : رفع إلي أنه ينتقص
عليا ، فأردت أقابله ، فلما حضر افتتح بذكره والصلاة عليه ، وأعاد وأبدى في ذكره ، فعلمت أنه وفق ، ولعله كوشف بذلك .
قاضي
المرستان ، أنبأنا
القضاعي ، حدثنا
علي بن نصر ، حدثنا
أبو الثناء شكر العضدي ، قال : لما دخل
عضد الدولة بغداد وقد هلك أهلها قتلا وخوفا وجوعا للفتن التي اتصلت بين السنة
والشيعة ، فقال : آفة هؤلاء القصاص ، فمنعهم ، وقال : من خالف أباح دمه ، فعرف
ابن سمعون ، فجلس على كرسيه ، فأمرني مولاي ، فأحضرته ، فدخل رجل عليه نور ، قال
شكر : فجلس إلى جنبي غير مكترث ، فقلت : إن هذا الملك جبار عظيم ، ما أوثر لك مخالفته ، وإني موصلك إليه ، فقبل الأرض وتلطف له واستعن بالله عليه . فقال : الخلق والأمر لله . فمضيت به إلى حجرة قد جلس فيها الملك وحده ، فأوقفته ثم دخلت أستأذن ، فإذا هو إلى جانبي ، وحول وجهه إلى دار عز الدولة ثم تلا :
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ثم حول وجهه وقرأ :
ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ثم أخذ في وعظه ، فأتى بالعجب ، فدمعت عين الملك ، وما رأيت ذلك منه قط ، وشرك كمه على وجهه ، فلما خرج
أبو الحسين رحمه الله ، قال الملك : اذهب إليه بثلاثة آلاف درهم وعشرة أثواب من الخزانة فإن امتنع فقل له : فرقها في أصحابك ، وإن قبلها فجئني برأسه ، ففعلت ، فقال : إن ثيابي هذه فصلت من نحو أربعين سنة ألبسها يوم خروجي وأطويها
[ ص: 510 ] عند رجوعي ، وفيها متعة وبقية ، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي ، فما أصنع بهذا ؟ قلت : فرقها على أصحابك ، قال : ما في أصحابي فقير . فعدت فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه .
قال
أبو سعيد النقاش : كان
ابن سمعون يرجع إلى علم القرآن وعلم الظاهر ، متمسكا بالكتاب والسنة ، لقيته وحضرت مجلسه ، سمعته يسأل عن قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=881451أنا جليس من ذكرني " قال أنا صائنه عن المعصية ، أنا معه حيث يذكرني ، أنا معينه .
السلمي : سمعت
ابن سمعون ، وسئل عن التصوف ، فقال : أما الاسم ، فترك الدنيا وأهلها ، وأما حقيقته ، فنسيان الدنيا ونسيان أهلها . وسمعته يقول : أحق الناس بالخسارة يوم القيامة أهل الدعاوي والإشارة . قال
أبو الحسن العتيقي : توفي
ابن سمعون وكان ثقة مأمونا في نصف ذي القعدة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة .
قال
أبو بكر الخطيب : ونقل
ابن سمعون سنة ست وعشرين وأربعمائة من داره فدفن بمقبرة
باب حرب ، ولم تكن أكفانه بليت فيما قيل .
قلت : نعم . الكفن قد يقيم نحوا من مائة سنة ، لأن الهواء لا يصل إليه فيسلم .
نقل
أبو محمد بن حزم خرافة لا تثبت ، فقال : وقال شيخ - يقال له :
[ ص: 511 ] ابن سمعون -
ببغداد : إن الاسم الأعظم ليس هو في الأسماء الحسنى المعروفة ، قال : وهو سبعة وثلاثون حرفا من غير حروف المعجم .
أخبرنا
عمر بن عبد المنعم ، عن
أبي اليمن الكندي ، أخبرنا
هبة الله بن أحمد ، أخبرنا
محمد بن علي العشاري ، أخبرنا
أبو الحسين بن سمعون ، أخبرنا
أحمد بن محمد بن سلم ، حدثنا
حفص الربالي ، حدثنا
سهل بن زياد ، حدثنا
أيوب ، عن
ابن سيرين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881452كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فأصابهم عوز من الطعام ، فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة أعندك شيء ؟ قلت : نعم ، شيء من تمر في مزودي ، قال : جئ به ، وقال : هات نطعا ، فجئت بالنطع ، فبسطه ، فأدخل يده وقبض من التمر ، فإذا هو إحدى عشرة تمرة . ثم قال : باسم الله ، فجعل يضع كل تمرة ويسمي ، حتى أتى على التمر ، فقال به هكذا فجمعه ، فقال : ادع فلانا وأصحابه ، فأكلوا وشبعوا وخرجوا ، ثم قال : ادع فلانا وأصحابه ، فأكلوا وشبعوا وخرجوا . وفضل تمر ، فأكل وأكلت ، وفضل تمر ، فأدخله في المزود ، إلى أن قال : فجهزت منه خمسين وسقا في سبيل الله ، فوقع زمن عثمان .