قيامه في المنكر :
كان لا يرى منكرا إلا غيره بيده أو بلسانه ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم . قد رأيته مرة يهريق خمرا فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه ، وأخذه من يده ، وكان قويا في بدنه ، وكثيرا ما كان
بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات .
قال خالي
الموفق : كان
الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه ، وكنا مرة أنكرنا على قوم أرقنا خمرهم وتضاربنا ، فسمع خالي
أبو عمر ، فضاق صدره ، وخاصمنا ، فلما جئنا إلى
الحافظ طيب قلوبنا ، وصوب فعلنا وتلا :
وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك .
وسمعت
أبا بكر بن أحمد الطحان ، قال : كان بعض أولاد
صلاح الدين قد عملت لهم طنابير ، وكانوا في بستان يشربون ، فلقي
الحافظ الطنابير فكسرها .
قال : فحدثني
الحافظ ، قال : فلما كنت أنا
وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصي فخففت المشي ، وجعلت أقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي ، فقال : أنا ما كسرت لكم شيئا ، هذا هو الذي كسر . قال : فإذا فارس يركض
[ ص: 455 ] فترجل ، وقبل يدي ، وقال : الصبيان ما عرفوك ? . وكان قد وضع الله له هيبة في النفوس .
سمعت
فضائل بن محمد بن علي بن سرور المقدسي يقول : سمعتهم يتحدثون
بمصر أن
الحافظ كان قد دخل على العادل فقام له ، فلما كان اليوم الثاني جاء الأمراء إلى
الحافظ مثل
سركس وأزكش ، فقالوا : آمنا بكراماتك يا حافظ .
وذكروا أن
العادل قال : ما خفت من أحد ما خفت من هذا ، فقلنا : أيها الملك هذا رجل فقيه . قال : لما دخل ما خيل إلي إلا أنه سبع .
قال
الضياء : رأيت بخط
الحافظ :
nindex.php?page=showalam&ids=14732والملك العادل اجتمعت به ، وما رأيت منه إلا الجميل ، فأقبل علي ، وقام لي ، والتزمني ، ودعوت له ثم قلت : عندنا قصور هو الذي يوجب التقصير ، فقال : ما عندك لا تقصير ولا قصور ، وذكر أمر السنة فقال : ما عندك شيء تعاب به لا في الدين ولا الدنيا ، ولا بد للناس من حاسدين .
وبلغني بعد عنه أنه قال : ما رأيت
بالشام ولا
مصر مثل فلان ، دخل علي فخيل إلي أنه أسد ، وهذا ببركة دعائكم ودعاء الأصحاب .
قال
الضياء : كانوا قد وغروا عليه صدر
العادل ، وتكلموا فيه ، وكان بعضهم أرسل إلى
العادل يبذل في قتل
الحافظ خمسة آلاف دينار .
قلت : جر هذه الفتنة نشر
الحافظ أحاديث النزول والصفات فقاموا عليه ، ورموه بالتجسيم ، فما دارى كما كان يداريهم
الشيخ الموفق .
سمعت بعض أصحابنا يحكي عن الأمير
درباس أنه دخل مع
الحافظ [ ص: 456 ] إلى
الملك العادل فلما قضى الملك كلامه مع
الحافظ ، جعل يتكلم في أمر
ماردين وحصارها ، فسمع
الحافظ فقال : أيش هذا ، وأنت بعد تريد قتال المسلمين ، ما تشكر الله فيما أعطاك ، أما . . . أما !؟ قال فما أعاد ولا أبدى . ثم قام
الحافظ وقمت معه ، فقلت : أيش هذا ؟ نحن كنا نخاف عليك من هذا ثم تعمل هذا العمل ؟ قال : أنا إذا رأيت شيئا لا أقدر أصبر ، أو كما قال .
وسمعت
أبا بكر بن الطحان ، قال : كان في دولة
الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج فجاء
الحافظ فكسر شيئا كثيرا ، ثم صعد يقرأ الحديث ، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة فقال : ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه ، ثم قرأ الحديث . فعاد الرسول فقال : لا بد من المشي إليه ، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان ، فقال
الحافظ : ضرب الله رقبته ورقبة السلطان ، فمضى الرسول وخفنا ، فما جاء أحد .