[ ص: 21 ] وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم
الأظهر أن جملة
وآخرون اعترفوا عطف على جملة ( وممن حولكم ) ، أي وممن حولكم من الأعراب منافقون ، ومن
أهل المدينة آخرون أذنبوا بالتخلف فاعترفوا بذنوبهم بالتقصير . فقوله : ( اعترفوا بذنوبهم ) إيجاز لأنه يدل على أنهم أذنبوا واعترفوا بذنوبهم ولم يكونوا منافقين لأن التعبير بالذنوب بصيغة الجمع يقتضي أنها أعمال سيئة في حالة الإيمان ، وكذلك التعبير عن ارتكاب الذنوب بخلط العمل الصالح بالسيئ .
وكان من هؤلاء جماعة منهم
الجد بن قيس ، وكردم ، وأرس بن ثعلبة ، ووديعة بن حزام ، ومرداس ، وأبو قيس ، وأبو لبابة في عشرة نفر اعترفوا بذنبهم في
التخلف عن غزوة تبوك وتابوا إلى الله وربطوا أنفسهم في سواري المسجد النبوي أياما حتى نزلت هذه الآية في توبة الله عليهم .
والاعتراف : افتعال من ( عرف ) . وهو للمبالغة في المعرفة ، ولذلك صار بمعنى الإقرار بالشيء وترك إنكاره ،
فالاعتراف بالذنب كناية عن التوبة منه ; لأن الإقرار بالذنب الفائت إنما يكون عند الندم والعزم على عدم العود إليه ، ولا يتصور فيه الإقلاع الذي هو من أركان التوبة لأنه ذنب مضى ، ولكن يشترط فيه العزم على أن لا يعود .
وخلطهم العمل الصالح والسيئ هو خلطهم حسنات أعمالهم بسيئات التخلف عن الغزو وعدم الإنفاق على الجيش .
وقوله :
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا جاء ذكر الشيئين المختلطين بالعطف بالواو على اعتبار استوائهما في وقوع فعل الخلط عليهما . ويقال : خلط كذا بكذا على اعتبار أحد الشيئين المختلطين متلابسين بالخلط ، والتركيبان متساويان في المعنى ، ولكن العطف بالواو أوضح وأحسن فهو أفصح .
[ ص: 22 ] و ( عسى ) : فعل رجاء . وهي من كلام الله - تعالى - المخاطب به النبيء - صلى الله عليه وسلم - فهي كناية عن وقوع المرجو ، وأن الله قد تاب عليهم ; ولكن ذكر فعل الرجاء يستتبع معنى اختيار المتكلم في وقوع الشيء وعدم وقوعه .
ومعنى
أن يتوب عليهم أي يقبل توبتهم ، وقد تقدم عند قوله - تعالى :
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه في سورة البقرة .
وجملة إن الله غفور رحيم تذييل مناسب للمقام .