[ ص: 245 ] وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا الذي اشتراه مراد منه الذي دفع الثمن فملكه وإن كان لم يتول الاشتراء بنفسه ، فإن فعل الاشتراء لا يدل إلا على دفع العوض ، بحيث إن إسناد الاشتراء لمن يتولى إعطاء الثمن وتبسلم المبيع إذا لم يكن هو مالك الثمن ومالك المبيع يكون إسنادا مجازيا ، ولذلك يكتب الموثقون في مثل هذا أن شراءه لفلان .
والذي اشترى
يوسف - عليه السلام - رجل اسمه (
فوطيفار ) رئيس شرطة ملك
مصر ، وهو والي مدينة
مصر ، ولقب في هذه السورة
بالعزيز ، وسيأتي .
ومدينة
مصر هي (
منفيس ) ويقال (
منف ) وهي قاعدة
مصر السفلى التي يحكمها قبائل من
الكنعانيين عرفوا عند القبط باسم (
الهكسوس ) أي الرعاة . وكانت
مصر العليا المعروفة اليوم بالصعيد تحت حكم فراعنة القبط . وكانت مدينتها ( ثيبة ) أو ( طيبة ) ، وهي اليوم خراب وموضعها يسمى الأقصر ، جمع قصر ؛ لأن بها أطلال القصور القديمة ، أي الهياكل . وكانت حكومة
مصر العليا أيامئذ مستضعفة لغلبة
الكنعانيين على معظم القطر وأجوده .
وامرأته تسمى في كتب العرب (
زليخا ) بفتح الزاي وكسر اللام وقصر آخره وسماها
اليهود راعيل . و (
من مصر ) صفة لـ
الذي اشتراه .
و
لامرأته متعلق بـ قال أو بـ اشتراه أو يتنازعه كلا الفعلين ، فيكون اشتراه ليهبه لها لتتخذه ولدا . وهذا يقتضي أنهما لم يكن لهما ولد .
وامرأته : معناه زوجه ، فإن الزوجة يطلق عليها اسم المرأة ويراد منه معنى الزوجة . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
وامرأته قائمة فضحكت .
[ ص: 246 ] والمثوى : حقيقته المحل الذي يثوي المرء ، أي يرجع إليه . وتقدم عند قوله - تعالى :
قال النار مثواكم في سورة الأنعام . وهو هنا كناية عن حال الإقامة عندهما لأن المرء يثوى إلى منزل إقامته .
فالمعنى : اجعلي إقامته عندك كريمة ، أي كاملة في نوعها . أراد أن يجعل الإحسان إليه سببا في اجتلاب محبته إياهما ونصحه لهما فينفعهما ، أو يتخذانه ولدا فيبر بهما وذلك أشد تقريبا . ولعله كان آيسا من ولادة زوجه . وإنما قال ذلك لحسن تفرسه في ملامح
يوسف - عليه السلام - المؤذنة بالكمال ، وكيف لا يكون رجلا ذا فراسة وقد جعله الملك رئيس شرطته ، فقد كان الملوك أهل حذر فلا يولون أمورهم غير الأكفاء .