الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

إن أجرينا اسم الإشارة على قياس كثير من أمثاله في القرآن كقوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة كانت الإشارة إلى التمكين المستفاد من مكنا ليوسف تنويها بأن ذلك التمكين بلغ غاية ما يطلب من نوعه بحيث لو أريد تشبيهه بتمكين أتم منه لما كان إلا أن يشبه بنفسه على نحو قول النابغة :


والسفاهة كاسمها



فيكون الكاف في محل نصب على المفعول المطلق . والتقدير : مكنا ليوسف تمكينا كذلك التمكين .

وإن أجرينا على ما يحتمله اللفظ كانت لحاصل المذكور آنفا ، وهو ما يفيده عثور السيارة عليه من أنه إنجاء له عجيب الحصول بمصادقة عدم [ ص: 247 ] الإسراع بانتشاله من الجب ، أي مكنا ليوسف - عليه السلام - تمكينا من صنعنا مثل ذلك الإنجاء الذي نجيناه ، فتكون الكاف في موضع الحال من مصدر مأخوذ من مكنا . ونظيره كذلك زينا لكل أمة عملهم في سورة الأنعام .

والتمكين في الأرض هنا مراد به ابتداؤه وتقدير أول أجزائه ، فيوسف - عليه السلام - بحلوله محل العناية من عزيز مصر قد خط له مستقبل تمكينه من الأرض بالوجه الأتم الذي أشير له بقوله - تعالى - بعد وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ، فما ذكر هنالك هو كرد العجز على الصدر مما هنا ، وهو تمامه .

وعطف على وكذلك علة لمعنى مستفاد من الكلام ، وهو الإيتاء ، تلك العلة هي ولنعلمه من تأويل الأحاديث لأن الله لما قدر في سابق علمه أن يجعل يوسف - عليه السلام - عالما بتأويل الرؤيا وأن يجعله نبيا أنجاه من الهلاك ، ومكن له في الأرض تهيئة لأسباب مراد الله .

وتقدم معنى تأويل الأحاديث آنفا عند ذكر قول أبيه له ويعلمك من تأويل الأحاديث أي تعبير الرؤيا .

وجملة والله غالب على أمره معترضة في آخر الكلام ، وتذييل ؛ لأن مفهومها عام يشمل غلب الله إخوة يوسف - عليه السلام - بإبطال كيدهم ، وضمير أمره عائد لاسم الجلالة .

وحرف على بعد مادة الغلب ونحوها يدخل على الشيء الذي يتوقع فيه النزاع ، كقولهم : غلبناهم على الماء .

و " أمر الله " هو ما قدره وأراده ، فمن سعى إلى عمل يخالف ما أراده الله فحاله كحال المنازع على أن يحقق الأمر الذي أراده ويمنع حصول مراد الله - تعالى - ولا يكون إلا ما أراده الله - تعالى - فشأن الله - تعالى - كحال الغالب لمنازعه . والمعنى والله متمم ما قدره ، ولذلك [ ص: 248 ] عقبه بالاستدراك بقوله : ولكن أكثر الناس لا يعلمون استدراكا على ما يقتضيه هذا الحكم من كونه حقيقة ثابتة شأنها أن لا تجهل لأن عليها شواهد من أحوال الحدثان ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك مع ظهوره .

التالي السابق


الخدمات العلمية