صفحة جزء
[ ص: 8 ] الر تقدم الكلام على نظير فاتحة هذه السورة في أول سورة يونس .

وتقدم في أول سورة البقرة ما في مثل هذه الفواتح من إعلان التحدي بإعجاز القرآن .

تلك آيات الكتاب وقرآن مبين الإشارة إلى ما هو معروف قبل هذه السورة من مقدار ما نزل بالقرآن ، أي : الآيات المعروفة عندكم المتميزة لديكم تميزا كتميز الشيء الذي تمكن الإشارة إليه هي آيات الكتاب ، وهذه الإشارة لتنزيل آيات القرآن منزلة الحاضر المشاهد .

والكتاب : علم بالغلبة على القرآن الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للهدى والإرشاد إلى الشريعة ، وسمي كتابا ; لأنهم مأمورون بكتابة ما ينزل منه لحفظه ومراجعته ; فقد سمي القرآن كتابا قبل أن يكتب ويجمع ; لأنه بحيث يكون كتابا .

ووقعت هذه الآية في مفتتح تهديد المكذبين بالقرآن لقصد الإعذار إليهم باستدعائهم للنظر في دلائل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحقية دينه .

ولما كان أصل التعريف باللام في الاسم المجعول علما بالغلبة جائيا من التوسل بحرف التعريف إلى الدلالة على معنى كمال الجنس في المعرف به لم ينقطع عن العلم بالغلبة أنه فائق في جنسه بمعونة المقام ، فاقتضى أن تلك الآيات هي آيات كتاب بالغ منتهى كمال جنسه ، أي : من كتب الشرائع .

[ ص: 9 ] وعطف " وقرآن " على الكتاب ; لأن اسم القرآن جعل علما على ما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز والتشريع ، فهو الاسم العلم لكتاب الإسلام مثل اسم التوراة والإنجيل والزبور للكتب المشتهرة بتلك الأسماء .

فاسم القرآن أرسخ في التعريف به من الكتاب ; لأن العلم الأصلي أدخل في تعريف المسمى من العلم بالغلبة ، فسواء نكر لفظ القرآن أو عرف باللام فهو علم على كتاب الإسلام ، فإن نكر فتنكيره على أصل الأعلام ، وإن عرف فتعريفه للمح الأصل قبل العلمية كتعريف الأعلام المنقولة من أسماء الفاعلين ; لأن القرآن منقول من المصدر الدال على القراءة ، أي : المقروء الذي إذا قرئ فهو منتهى القراءة .

وفي التسمية بالمصدر من معنى قوة الاتصاف بمادة المصدر ما هو معلوم . وللإشارة إلى ما في كل من العلمين من معنى ليس في العلم الآخر حسن الجمع بينهما بطريق العطف ، وهو من عطف ما يعبر عنه بعطف التفسير ; لأن ( قرآن ) بمنزلة عطف البيان من كتاب وهو شبيه بعطف الصفة على الموصوف وما هو منه ، ولكنه أشبهه ; لأن المعطوف متبوع بوصف وهو ( مبين ) ، وهذا كله اعتبار بالمعنى .

وابتدئ بالمعرف باللام لما في التعريف من إيذان بالشهرة والوضوح وما فيه من الدلالة على معنى الكمال ، ولأن المعرف هو أصل الإخبار والأوصاف ، ثم جيء بالمنكر ; لأنه أريد وصفه بالمبين ، والمنكر أنسب بإجراء الأوصاف عليه ، ولأن التنكير يدل على التفخيم والتعظيم ، فوزعت الدلالتان على نكتة التعريف ونكتة التنكير .

فأما تقديم الكتاب على القرآن في الذكر ; فلأن سياق الكلام توبيخ الكافرين وتهديدهم بأنهم سيجيء وقت يتمنون فيه أن لو كانوا مؤمنين ، فلما كان الكلام موجها إلى المنكرين ناسب أن يستحضر المنزل على محمد صلى [ ص: 10 ] الله عليه وسلم بعنوانه الأعم وهو كونه كتابا ; لأنهم حين جادلوا ما جادلوا إلا في كتاب فقالوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ، ولأنهم يعرفون ما عند الأمم الآخرين بعنوان " كتاب " ، ويعرفونهم بعنوان " أهل الكتاب " .

فأما عنوان القرآن فهو مناسب لكون الكتاب مقروءا مدروسا وإنما يقرؤه ويدرسه المؤمنون به ، ولذلك قدم عنوان " القرآن " في سورة النمل كما سيأتي .

والمبين : اسم الفاعل من أبان القاصر الذي هو بمعنى بان مبالغة في ظهوره ، أي : ظهور قرآنيته العظيمة ، أي : ظهور إعجازه الذي تحققه المعاندون وغيرهم .

وإنما لم نجعل المبين بمعنى ( أبان ) المتعدي ; لأن كونه بينا في نفسه أشد في توبيخ منكريه من وصفه بأنه مظهر لما اشتمل عليه ، وسيجيء قريب من هذه الآية في أول سورة النمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية