انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ونظائرها كثيرة في القرآن .
والتعبير بفعل النظر إشارة إلى أنه بلغ من الوضوح أن يكون منظورا .
والاستفهام ب ( كيف ) للتعجيب من حالة تمثيلهم للنبيء صلى الله عليه وسلم بالمسحور ، ونحوه .
وأصل ( ضرب ) وضع الشيء وتثبيته يقال : ضرب خيمة ، ويطلق على صوغ الشيء على حجم مخصوص ، يقال : ضرب دنانير ، وهو هنا مستعار للإبراز ، والبيان ; تشبيها للشيء المبرز المبين بالشيء المثبت ، وتقدم عند قوله تعالى
إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا في سورة البقرة .
واللام في لك للتعليل والأجل ، أي ضربوا الأمثال لأجلك ، أي لأجل تمثيلك ، أي مثلوك ، يقال : ضربت لك مثلا بكذا ، وأصله مثلتك بكذا ، أي أجد كذا مثلا لك ، قال تعالى
فلا تضربوا لله الأمثال وقال
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية أي اجعلهم مثلا لحالهم .
وجمع الأمثال هنا ، وإن كان المحكي عنهم أنهم مثلوه بالمسحور ، وهو مثل واحد ; لأن المقصود التعجيب
[ ص: 122 ] من هذا المثل ومن غيره فيما يصدر عنهم من قولهم : هو شاعر ، هو كاهن ، هو مجنون ، هو ساحر ، هو مسحور ، وسميت أمثالا باعتبار حالهم ; لأنهم تحيروا فيما يصفونه به للناس لئلا يعتقدوه نبيا ، فجعلوا يتطلبون أشبه الأحوال بحاله في خيالهم فيلحقون به ، كمن يدرج فردا غريبا في أشبه الأجناس به ، كمن يقول في الزرافة : إنها من الأفراس أو الإبل أو من البقر .
وفرع ضلالهم على ضرب أمثالهم ; لأن ما ضربوه من الأمثال كله باطل وضلال وقوة في الكفر ، فالمراد تفريع ضلالهم الخاص ببطلان تلك الأمثال ، أي فظهر ضلالهم في ذلك كقوله
كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا .
ويجوز أن يراد بالضلال هنا أصل معناه ، وهو الحيرة في الطريق ، وعدم الاهتداء ، أي ضربوا لك أشباها كثيرة ; لأنهم تحيروا فيما يعتذرون به عن شأنك العظيم .
وتفريع
فلا يستطيعون سبيلا على فضلوا تفريع لتوغلهم في الحيرة على ضلالهم في ضرب تلك الأمثال .
والسبيل : الطريق ، واستطاعته استطاعة الظفر به ، فيجوز أن يراد بالسبيل سبيل الهدى على الوجه الأول في تفسير الضلال ، ويجوز أن يكون تمثيلا لحال ضلالهم بحال الذي وقف في فيفاء لا يدري من أية جهة يسلك إلى المقصود ، على الوجه الثاني في تفسير الضلال .
والمعنى على هذا : أنهم تحيروا كيف يصفون حالك للناس لتوقعهم أن الناس يكذبونهم ، فلذلك جعلوا ينتقلون في وصفه من صفة إلى صفة ; لاستشعارهم أن ما يصفونه به باطل لا يطابقه الواقع .