فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
تفريع على ما قبله ، وثم جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل
آدم بوسوسة الشيطان ، فأكل من
الشجرة وأكلت
حواء معه .
[ ص: 327 ] واقتصار الشيطان على التسويل
لآدم وهو يريد أن يأكل
آدم وحواء ؛ لعلمه بأن
اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة . وتقدم معنى
فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة في سورة الأعراف .
وقوله :
وعصى آدم ربه عطف على " فأكلا منها " ، أي أكلا معا ، وتعمد
آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة ، وإثبات العصيان
لآدم دون زوجه يدل على أن
آدم كان قدوة لزوجه ، فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه . وفي هذا المعنى قال الله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا .
والغواية : ضد الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل .
وإثبات العصيان لآدم دليل على أنه لم يكن يومئذ نبيئا . وأنه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمر كبيرها ، وإنما كان شنيعا ؛ لأنه عصيان أمر الله .
وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لمنعها ؛ لأن ذلك العالم لم يكن عالم تكليف .
وجملة
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى معترضة بين جملة وعصى آدم وجملة
قال اهبطا منها جميعا ؛ لأن الاجتباء والتوبة عليه كانا بعد أن عوقب
آدم وزوجه بالخروج من الجنة كما في سورة البقرة ، وهو المناسب لترتب الإخراج من الجنة على المعصية دون أن يترتب على التوبة . وفائدة هذا الاعتراض التعجيل ببيان مآل
آدم إلى صلاح .
[ ص: 328 ] والاجتباء : الاصطفاء . وتقدم عند قوله تعالى :
واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم في الأنعام ، وقوله :
اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم في النحل .
والهداية : الإرشاد إلى النفع . والمراد بها إذا ذكرت مع الاجتباء في القرآن النبوءة كما في هذه الآيات الثلاث .