فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
تفريع على قوله :
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الذي هو بيان لقوله :
كتب عليكم الصيام كما تقدم ، فهو رجوع إلى التبيين بعد الفصل بما عقب به قوله :
كتب عليكم الصيام من
استيناس وتنويه بفضل الصيام وما يرجى من عوده على نفوس الصائمين بالتقوى ، وما حف الله به فرضه على الأمة من تيسير عند حصول مشقة من الصيام .
وضمير " منكم " عائد إلى الذين آمنوا مثل الضمائر التي قبله ؛ أي : كل من حضر الشهر فليصمه ، و ( شهد ) يجوز أن يكون بمعنى حضر كما يقال : إن فلانا شهد
بدرا وشهد
أحدا وشهد
العقبة أو شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أي : حضرها ، فنصب الشهر على أنه مفعول فيه لفعل شهد ؛ أي : حضر في الشهر ؛ أي : لم يكن مسافرا ، وهو المناسب لقوله بعده :
ومن كان مريضا أو على سفر إلخ .
[ ص: 174 ] أي : فمن حضر في الشهر فليصمه كله ، ويفهم أن من حضر بعضه يصوم أيام حضوره . ويجوز أن يكون شهد بمعنى علم كقوله تعالى :
شهد الله أنه لا إله إلا هو فيكون انتصاب الشهر على المفعول به بتقدير مضاف ؛ أي : علم بحلول الشهر ، وليس شهد بمعنى رأى ؛ لأنه لا يقال : شهد بمعنى رأى ، وإنما يقال شاهد ، ولا الشهر هنا بمعنى هلاله بناء على أن الشهر يطلق على الهلال ، كما حكوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وأنشد في الأساس قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
فأصبح أجلى الطرف ما يستزيده يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل
أي : يرى هلال الشهر ؛ لأن الهلال لا يصح أن يتعدى إليه فعل " شهد " بمعنى حضر ، ومن يفهم الآية على ذلك فقد أخطأ خطأ بينا ، وهو يفضي إلى أن
كل فرد من الأمة معلق وجوب صومه على مشاهدته هلال رمضان فمن لم ير الهلال لا يجب عليه الصوم وهذا باطل ، ولهذا فليس في الآية تصريح على طريق ثبوت الشهر ، وإنما بينته السنة بحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341226لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له وفي معنى الإقدار له محامل ليست من تفسير الآية .
وقرأ الجمهور : ( القرآن ) بهمزة مفتوحة بعد الراء الساكنة وبعد الهمزة ألف ، وقرأه
ابن كثير براء مفتوحة بعدها ألف على نقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة لقصد التخفيف .
وقوله :
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة قالوا في وجه إعادته مع تقدم نظيره في قوله :
فمن كان منكم مريضا إنه لما كان صوم رمضان واجبا على التخيير بينه وبين الفدية بالإطعام بالآية الأولى ، وهي
كتب عليكم الصيام إلخ ، وقد سقط الوجوب عن المريض والمسافر بنصها فلما نسخ حكم تلك الآية بقوله :
شهر رمضان الآية ، وصار الصوم واجبا على التعيين خيف أن يظن الناس أن جميع ما كان في الآية الأولى من الرخصة قد نسخ ، فوجب الصوم أيضا حتى على المريض والمسافر ، فأعيد ذلك في هذه الآية الناسخة تصريحا ببقاء تلك الرخصة ، ونسخت رخصة الإطعام مع القدرة والحضر والصحة لا غير ، وهو بناء على كون هاته الآية ناسخة للتي قبلها ، فإن درجنا على أنهما نزلتا في وقت واحد كان الوجه في إعادة هذا الحكم هو هذا الموضع الجدير بقوله :
ومن كان مريضا لأنه جاء بعد تعيين أيام الصوم ، وأما ما تقدم في الآية الأولى فهو تعجيل بالإعلام بالرخصة رفقا بالسامعين ، أو أن إعادته لدفع توهم أن الأول منسوخ بقوله :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه إذا كان
[ ص: 175 ] " شهد " بمعنى تحقق وعلم ، مع زيادة في تأكيد حكم الرخصة ولزيادة بيان معنى قوله :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه .