[ ص: 84 ] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما .
التصدير باسم الإشارة للتنبيه على أن ما يرد بعده كانوا أحرياء به لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة . وتلك مجموع إحدى عشرة خصلة وهي : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف ، وترك الإقتار ، والتنزه عن الشرك ، وترك الزنا ، وترك قتل النفس ، والتوبة ، وترك الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول دعوة الحق ، وإظهار الاحتياج إلى الله بالدعاء ، . واسم الإشارة هو الخبر عن قوله : (
وعباد الرحمن ) كما تقدم على أرجح الوجهين .
والغرفة : البيت المعتلي يصعد إليه بدرج وهو أعز منزلا من البيت الأرضي ، والتعريف في الغرفة تعريف الجنس فيستوي فيه المفرد والجمع مثل قوله تعالى : (
وأنزلنا معهم الكتاب ) فالمعنى : يجزون الغرف ، أي من الجنة ، قال تعالى : (
وهم في الغرفات آمنون ) والباء للسببية ، و ( ما ) مصدرية في قوله ( بما صبروا ) ، أي : بصبرهم وهو صبرهم على ما لقوا من المشركين من أذى ، وصبرهم على كبح شهواتهم لأجل إقامة شرائع الإسلام ، وصبرهم على مشقة الطاعات .
وقرأ الجمهور ( ويلقون ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف المفتوحة مضارع لقاه إذا جعله لاقيا . وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وأبو بكر عن
عاصم وخلف ( ويلقون ) بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف المفتوحة مضارع لقي . واللقي واللقاء : استقبال شيء ومصادفته ، وتقدم في قوله تعالى : (
واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) في سورة البقرة ، وفي قوله : (
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) في سورة الأنفال ، وتقدم قريبا قوله تعالى : (
ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .
وقد استعير اللقي لسماع التحية والسلام ، أي أنهم يسمعون ذلك في الجنة من غير أن يدخلوا على بأس أو يدخل عليهم بأس ، بل هم مصادفون تحية إكرام وثناء مثل تحيات العظماء والملوك التي يرتلها الشعراء والمنشدون .
[ ص: 85 ] ويجوز أن يكون إطلاق اللقي لسماع ألفاظ التحية والسلام لأجل الإيماء إلى أنهم يسمعون التحية من الملائكة يلقونهم بها ، فهو مجاز بالحذف قال تعالى : (
وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) في سورة الأنبياء .
وقوله : (
حسنت مستقرا ومقاما ) هو ضد ما قيل في المشركين (
إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . والتحية تقدمت في قوله : (
وإذا حييتم بتحية ) في سورة النساء ، وفي قوله : (
وتحيتهم فيها سلام ) في سورة يونس ، وقوله (
تحية من عند الله مباركة طيبة ) في آخر النور .