هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون .
(
هدى وبشرى ) حالان من ( كتاب ) بعد وصفه ب ( مبين ) .
وجعل الحال مصدرا للمبالغة بقوة تسببه في الهدى وتبليغه البشرى للمؤمنين . فالمعنى : أن الهدى للمؤمنين والبشرى حاصلان منه ومستمران من آياته .
[ ص: 219 ] والبشرى : اسم للتبشير ،
ووصف الكتاب بالهدى والبشرى جار على طريقة المجاز العقلي وإنما الهادي والمبشر الله أو الرسول بسبب الكتاب . والعامل في الحال ما في اسم الإشارة من معنى : أشير ، كقوله :
وهذا بعلي شيخا ، وقد تقدم ما فيه في سورة إبراهيم .
و (
للمؤمنين ) يتنازعه (
هدى وبشرى ) ; لأن المؤمنين هم الذين انتفعوا بهديه كقوله : (
هدى للمتقين ) .
ووصف المؤمنين بالموصول لتمييزهم عن غيرهم ; لأنهم عرفوا يومئذ بإقامة الصلاة وإعطاء الصدقات للفقراء والمساكين ، ألا ترى أن الله عرف الكفار بقوله
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ، ولأن في الصلة إيماء إلى وجه بناء الإخبار عنهم بأنهم على هدى من ربهم ومفلحون .
والزكاة : الصدقة ; لأنها تزكي النفس أو تزكي المال ، أي : تزيده بركة . والمراد بالزكاة هنا الصدقة مطلقا أو صدقة واجبة كانت على المسلمين ، وهي مواساة بعضهم بعضا كما دل عليه قوله في صفة المشركين : (
بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ) . وأما
الزكاة المقدرة بالنصب والمقادير الواجبة على أموال الأغنياء ، فإنها فرضت بعد الهجرة فليست مرادة هنا ; لأن هذه السورة مكية .
وجملة (
وهم بالآخرة هم يوقنون ) عطف على الصلة وليست من الصلة ولذلك خولف بين أسلوبها وأسلوب الصلة فأتي له بجملة اسمية اهتماما بمضمونها ; لأنه باعث على فعل الخيرات ، وعلى أن ضمير ( هم ) الثاني يجوز أن يعتبر ضمير فصل دالا على القصر ، أي : ما يوقن بالآخرة إلا هؤلاء .
والقصر إضافي بالنسبة إلى مجاوريهم من المشركين ، وإلا فإن أهل الكتاب يوقنون بالآخرة إلا أنهم غير مقصود حالهم للمخاطبين من الفريقين . وتقديم ( بالآخرة ) للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بها .