وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
أي نهدي به من نشاء بدعوتك وواسطتك فلما أثبت الهدي إلى الله وجعل الكتاب سببا لتحصيل الهداية عطف وساطة الرسول في إيصال ذلك الهدي تنويها بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم .
فجملة وإنك لتهدي عطف على جملة
نهدي به من نشاء من عبادنا . وفي الكلام تعريض بالمشركين إذ لم يهتدوا به وإذ كبر عليهم ما يدعوهم إليه مع أنه يهديهم إلى صراط مستقيم .
والهداية في قوله وإنك لتهدي هداية عامة . وهي : إرشاد الناس إلى طريق الخير فهي تخالف الهداية في قوله :
نهدي به من نشاء .
وحذف مفعول لتهدي للعموم ، أي لتهدي جميع الناس ، أي ترشدهم إلى صراط مستقيم ، وهذا كقوله :
وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة .
[ ص: 155 ] وتأكيد الخبر بـ ( إن ) للاهتمام به ؛ لأن الخبر مستعمل في تثبيت قلب النبيء صلى الله عليه وسلم بالشهادة له بهذا المقام العظيم فالخبر مستعمل في لازم معناه ، على أنه مستعمل أيضا للتعريض بالمنكرين لهديه فيكون في التأكيد ملاحظة تحقيقه وإبطال إنكارهم .
فكما أن الخبر مستعمل في لازمين من لوازم معناه فكذلك التأكيد بـ ( إن ) مستعمل في غرضين من أغراضه ، وكلا الأمرين مما ألحق باستعمال المشترك في معنييه .
وتنكير ( صراط ) للتعظيم مثل تنكير عظم في قول
أبي خراش :
فلا وأبي الطير المربة في الضحى على خالد لقد وقعن على عـظـم
ولأن التنكير أنسب بمقام التعريض بالذين لم يأبهوا بهدايته .
وعدل عن إضافة ( صراط ) إلى اسم الجلالة ابتداء لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل بأن يبدل منه بعد ذلك ( صراط الله ) ليتمكن بهذا الأسلوب المعنى المقصود فضل تمكن على نحو قوله :
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم .
وإجراء وصف اسم الجلالة باسم الموصول وصلته للإيماء أن سبب استقامة الصراط الذي يهدي إليه النبيء بأنه صراط الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض فلا يعزب عنه شيء مما يليق بعباده ، فلما أرسل إليهم رسولا بكتاب لا يرتاب في أن ما أرسل لهم فيه صلاحهم .