[ ص: 230 ] الرحمن علم القرآن هذه آية واحدة عند جمهور العادين . ووقع في المصاحف التي برواية
حفص عن
عاصم علامة آية عقب كلمة ( الرحمان ) ، إذ عدها قراء
الكوفة آية فلذلك عد أهل
الكوفة آي هذه السورة ثمانا وسبعين . فإذا جعل اسم الرحمان آية تعين أن يكون اسم الرحمان : إما خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : هو الرحمن ، أو مبتدأ خبره محذوف يقدر بما يناسب المقام .
ويجوز أن يكون واقعا موقع الكلمات التي يراد لفظها للتنبيه على غلط المشركين إذ أنكروا هذا الاسم قال تعالى
قالوا وما الرحمان كما تقدم في سورة الفرقان ، فيكون موقعه شبيها بموقع الحروف المقطعة التي يتهجى بها في أوائل بعض السور على أظهر الوجوه في تأويلها وهو التعريض بالمخاطبين بأنهم أخطئوا في إنكارهم الحقائق .
وافتتح باسم ( الرحمان ) فكان فيه تشويق جميع السامعين إلى الخبر الذي يخبر به عنه إذ كان المشركون لا يألفون هذا الاسم قال تعالى
قالوا وما الرحمان ، فهم إذا سمعوا هذه الفاتحة ترقبوا ما سيرد من الخبر عنه ، والمؤمنون إذا طرق أسماعهم هذا الاسم استشرفوا لما سيرد من الخبر المناسب لوصفه هذا مما هم متشوقون إليه من آثار رحمته .
على أنه قد قيل : إن هذه
السورة نزلت بسبب قول المشركين في النبيء - صلى الله عليه وسلم - إنما يعلمه بشر ، أي يعلمه القرآن فكان الاهتمام بذكر الذي يعلم النبيء - صلى الله عليه وسلم - القرآن أقوى من الاهتمام في التعليم .
وأوثر استحضار الجلالة باسم الرحمان دون غيره من الأسماء لأن المشركين يأبون ذكره فجمع في هذه الجملة بين ردين عليهم مع ما للجملة الاسمية من الدلالة على ثبات الخبر ،
[ ص: 231 ] ولأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء فافتتاحها باسم الرحمان براعة استهلال .
وقد أخبر عن هذا الاسم بأربعة أخبار متتالية غير متعاطفة رابعها هو جملة
الشمس والقمر بحسبان كما سيأتي ، ففصل جملتي
خلق الإنسان علمه البيان عن جملة
علم القرآن خلاف مقتضى الظاهر . لنكتة التعديد للتبكيت .
وعطف عليها أربعة أخر بحرف عطف من قوله
والنجم والشجر يسجدان إلى قوله
والأرض وضعها للأنام وكلها دالة على تصرفات الله ليعلمهم أن الاسم الذي استنكروه هو اسم الله وأن المسمى واحد .
وجيء بالمسند فعلا مؤخرا عن المسند إليه لإفادة التخصيص ، أي : علم القرآن لا بشر علمه وحذف المفعول الأول لفعل
علم القرآن لظهوره ، والتقدير : علم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - لأنهم ادعوا أنه معلم وإنما أنكروا أن يكون معلمه القرآن هو الله تعالى وهذا تبكيت أول .
وانتصب القرآن على أنه مفعول ثان لفعل علم ، وهذا الفعل هنا معدى إلى مفعولين فقط لأنه ورد على أصل ما يفيده التضعيف من زيادة مفعول آخر مع فاعل فعله المجرد ، وهذا المفعول هنا يصلح أن يتعلق به التعليم إذ هو اسم لشيء متعلق به التعليم وهو القرآن ، فهو كقول
معن بن أوس :
أعلمه الرماية كل يوم
وقوله تعالى
وإذ علمتك الكتاب في سورة العقود وقوله
وما علمناه الشعر [ ص: 232 ] في سورة يس ، ولا يقال : علمته زيدا صديقا ، وإنما يقال : أعلمته زيدا صديقا ، ففعل علم إذا ضعف كان بمعنى تحصيل التعليم بخلافه إذ عدي بالهمزة فإنه يكون لتحصيل الإخبار والإنباء .
وقد
عدد الله في هذه السورة نعما عظيمة على الناس كلهم في الدنيا ، وعلى المؤمنين خاصة في الآخرة وقدم أعظمها وهو نعمة الدين لأن به صلاح الناس في الدنيا ، وباتباعهم إياه يحصل لهم الفوز في الآخرة . ولما كان دين الإسلام أفضل الأديان ، وكان هو المنزل للناس في هذا الإبان ، وكان متلقى من أفضل الوحي والكتب الإلهية وهو القرآن ، قدمه في الإعلام وجعله مؤذنا بما يتضمنه من الدين ومشيرا إلى النعم الحاصلة بما بين يديه من الأديان كما قال
وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه .
ومناسبة اسم الرحمن لهذه الاعتبارات منتزعة من قوله
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .
والقرآن : اسم غلب على الوحي اللفظي الذي أوحي به إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز بسورة منه وتعبد ألفاظه .