خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار .
هذا انتقال إلى الاعتبار بخلق الله الإنسان وخلقه الجن .
والقول في مجيء المسند كالقول في قوله
علم القرآن .
[ ص: 245 ] والمراد بالإنسان آدم وهو أصل الجنس وقوله من صلصال تقدم نظيره في سورة الحجر .
والصلصال : الطين اليابس .
والفخار : الطين المطبوخ بالنار ويسمى الخزف . وظاهر كلام المفسرين أن قوله كالفخار صفة ل صلصال . وصرح بذلك
الكواشي في تلخيص التبصرة ولم يعرجوا على فائدة هذا الوصف . والذي يظهر لي أن يكون كالفخار حالا من الإنسان ، أي خلقه من صلصال فصار الإنسان كالفخار في صورة خاصة وصلابة .
ومعنى أنه صلصال يابس يشبه يبس الطين المطبوخ والمشبه غير المشبه به ، وقد عبر عنه بالحمأ المسنون ، والطين اللازب ، والتراب .
والجان : الجن والمراد به إبليس وما خرج عنه من الشياطين ، وقد حكى الله عنه قوله
خلقتني من نار وخلقته من طين .
والمارج : هو المختلط وهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول مثل دافق ، وعيشة راضية ، أي
خلق الجان من خليط من نار ، أي مختلط بعناصر أخرى إلا أن النار أغلب عليه كما كان التراب أغلب على تكوين الإنسان مع ما فيه من عنصر النار وهو الحرارة الغريزية والمقصود هنا هو خلق الإنسان بقرينة تذييله بقوله
فبأي آلاء ربكما تكذبان وإنما قرن بخلق الجان إظهارا لكمال النعمة في خلق الإنسان من مادة لينة قابلا للتهذيب والكمال وصدور الرفق بالموجودات التي معه على وجه الأرض .
وهو أيضا تذكير وموعظة بمظهر من مظاهر قدرة الله وحكمته في خلق نوع الإنسان وجنس الجان .
وفيه إيماء إلى ما سبق في القرآن النازل قبل هذه السورة من تفضيل الإنسان على الجان إذ أمر الله الجان بالسجود للإنسان ، وما ينطوي من ذلك من وفرة مصالح الإنسان على مصالح الجان ، ومن تأهله لعمران العالم لكونه مخلوقا من طينته إذ الفضيلة تحصل من مجموع أوصاف لا من خصوصيات مفردة .