وجعلنا سراجا وهاجا
ذكر السماوات يناسبه ذكر أعظم ما يشاهده الناس في فضائها وذلك الشمس ، ففي ذلك مع العبرة بخلقها عبرة في كونها على تلك الصفة ومنة على الناس باستفادتهم من نورها فوائد جمة .
[ ص: 24 ] والسراج : حقيقته المصباح الذي يستضاء به ، وهو إناء يجعل فيه زيت وفي الزيت خرقة مفتولة تسمى الذبالة تشعل بنار فتضيء ما دام فيها بلل الزيت .
والكلام على التشبيه البليغ ، والغرض من التشبيه تقريب صفة المشبه إلى الأذهان كما تقدم في سورة نوح .
وزيد ذلك التقريب بوصف السراج بالوهاج ، أي : الشديد السنا .
والوهاج : أصله الشديد الوهج ( بفتح الواو وفتح الهاء ، ويقال بفتح الواو وسكون الهاء ) وهو الاتقاد ، يقال : وهجت النار إذا اضطرمت اضطراما شديدا .
ويطلق الوهاج على المتلألئ المضيء وهو المراد هنا ; لأن وصف وهاج أجري على سراج ، أي : سراجا شديد الإضاءة ، ولا يقال : سراج ملتهب .
قال
الراغب : الوهج حصول الضوء والحر من النار . وفي الأساس عد قولهم : سراج وهاج في قسم الحقيقة . وعليه جرى قوله في الكشاف " متلألئا وقادا ، وتوهجت النار ، إذ تلمظت فتوهجت بضوئها وحرها " ، فإذن يكون التعبير عن الشمس بالسراج في هذه الآية هو موقع التشبيه .
ولذلك أوثر فعل ( جعلنا ) دون : خلقنا ; لأن كونها سراجا وهاجا حالة من أحوالها ، وإنما يعلق فعل الخلق بالذوات .
فالمعنى : وجعلنا لكم سراجا وهاجا ، أو وجعلنا في السبع الشداد سراجا وهاجا ، على نحو قوله تعالى :
ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا وقوله :
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا سواء قدرت ضمير ( فيها ) عائدا إلى ( السماء ) أو إلى ( البروج ) ; لأن البروج هي بروج السماء .
وقوله : سراجا اسم جنس ؛ فقد يراد به الواحد من ذلك الجنس فيحتمل أن يراد الشمس أو القمر .