إنا أنذرناكم عذابا قريبا
اعتراض بين
مآبا وبين
يوم ينظر المرء ما قدمت يداه كيفما كان موقع ذلك الظرف حسبما يأتي .
والمقصود من هذه الجملة الإعذار للمخاطبين بقوارع هذه السورة ، بحيث لم يبق بينهم وبين العلم بأسباب النجاة وضدها شبهة ولا خفاء .
فالخبر وهو
إنا أنذرناكم عذابا قريبا مستعمل في قطع العذر وليس مستعملا في إفادة الحكم ; لأن كون ما سبق إنذارا أمر معلوم للمخاطبين ، وافتتح الخبر بحرف التأكيد للمبالغة في الإعذار بتنزيلهم منزلة من يتردد في ذلك .
وجعل المسند فعلا مسندا إلى الضمير المنفصل لإفادة تقوي الحكم ، مع تمثيل المتكلم في مثل المتبريء من تبعة ما عسى أن يلحق المخاطبين من ضر إن لم يأخذوا حذرهم مما أنذرهم به ، كما يقول النذير عند العرب بعد الإنذار بالعدو أنا النذير العريان .
والإنذار : الإخبار بحصول ما يسوء في مستقبل قريب .
وعبر عنه بالمضي ; لأن أعظم الإنذار قد حصل بما تقدم من قوله :
[ ص: 56 ] إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا إلى قوله :
فلن نزيدكم إلا عذابا .
وقرب العذاب مستعمل مجازا في تحققه ، وإلا فإنه بحسب العرف بعيد ، قال تعالى :
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ، أي : لتحققه فهو كالقريب على أن العذاب يصدق بعذاب الآخرة وهو ما تقدم الإنذار به ، ويصدق بعذاب الدنيا من القتل والأسر في غزوات المسلمين لأهل الشرك . وعن
مقاتل : هو قتل
قريش ببدر . ويشمل عذاب يوم الفتح ويوم حنين ، كما ورد لفظ العذاب لذلك في قوله تعالى :
يعذبهم الله بأيديكم وقوله :
وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك .