يوم لا تملك نفس لنفس شيئا .
في هذا بيان للتهويل العظيم المجمل الذي أفاده قوله :
وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين إذ التهويل مشعر بحصول ما يخافه المهول لهم فأتبع ذلك بزيادة التهويل مع التأييس من وجدان نصير أو معين .
وقرأه الجمهور بفتح يوم فيجوز أن يجعل بدلا مطابقا ، أو عطف بيان من يوم الدين المرفوع بـ
ما أدراك وتجعل فتحته فتحة بناء ; لأن اسم الزمان إذا أضيف إلى جملة فعلية وكان فعلها معربا جاز في اسم الزمان أن يبنى على الفتح وأن يعرب بحسب العوامل .
ويجوز أيضا أن يكون بدلا مطابقا من يوم الدين المنصوب على الظرفية في قوله :
يصلونها يوم الدين ، ولا يفوت بيان الإبهام الذي في قوله :
وما أدراك ما يوم الدين ; لأن يوم الدين المرفوع المذكور ثانيا هو عين يوم الدين المنصوب أولا ، فإذا وقع بيان للمذكور أولا حصل بيان المذكور ثانيا إذ مدلولهما يوم متحد .
وقرأه
ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب مرفوعة ، فيتعين أن يكون بدلا أو بيانا من يوم الدين الذي في قوله :
وما أدراك ما يوم الدين .
ومعنى
لا تملك نفس لنفس شيئا : لا تقدر نفس على شيء لأجل نفس أخرى ، أي : لنفعها ; لأن شأن لام التعليل أن تدخل على المنتفع بالفعل عكس ( على ) ، فإنها تدخل على المتضرر كما في قوله تعالى :
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ،
[ ص: 185 ] وقد تقدم عند قوله تعالى :
وما أملك لك من الله من شيء في سورة الممتحنة .
وعموم ( نفس ) الأولى والثانية في سياق النفي يقتضي عموم الحكم في كل نفس .
و ( شيئا ) اسم يدل على جنس الموجود ، وهو متوغل في الإبهام يفسره ما يقترن به في الكلام من تمييز أو صفة أو نحوهما ، أو من السياق ، ويبينه هنا ما دل عليه فعل
لا تملك ولام العلة ، أي : شيئا يغني عنها وينفعها كما في قوله تعالى :
وما أغني عنكم من الله من شيء في سورة يوسف ، فانتصب شيئا على المفعول به لفعل
لا تملك ، أي : ليس في قدرتها شيء ينفع نفسا أخرى .
وهذا يفيد تأييس المشركين من أن تنفعهم أصنامهم يومئذ كما قال تعالى :
وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء .